970x90 شفرة ادسنس

طبع النقود ... حبل النجاة الأخير !!


الحكومة تراهن على المديونية الداخلية لمواجهة العجز المالي

طبع المزيد من الدينار الجزائري حبل النجاة الأخير !!

أول أومس ظهر الوزير الأول أحمد اويحيى ليقدم شروحات عن مخطط عمل الحكومة الجديد أمام نواب البرلمان , و من أبرز النقاط التي تم تناولها هو الوضع المالي الحالي للجزائر اتجاه الواجهة الخارجية و الداخلية , أين كان الموضوع الذي أثار الكثير من الكلام و هو تعديل قانون النقد و القرض بشكل يسمح للبنك المركزي بقرض الخزينة العمومية مباشرة , و هذا سيتم عبر طبع المزيد من الكتلة النقدية على مستوى البنك المركزي الجزائري  دون غطاء كافي من السلع و الخدمات  , و هذا طبعا لضعف الإنتاج و التصدير بشكل عام .  لكن الحكومة هنا تراهن على أن تدفع بالإنتاج المحلي عبر تمويل البنوك المحلية التي بدأت تفرغ مخزوناتها النقدية و بالتالي سيساهم طبع النقود في دفع العجلة الإقتصادية الجزائرية . فهل ستنجح الحكومة في هذه المغامرة الإقتصادية الخطيرة ؟ أم أنها ستورط البلاد في مأزق إقتصادي تاريخي يقود الجزائر إلى النموذج الزيمبابوي!!.

للتعمُّق في الموضوع أكثر و من أجل الفهم الشامل لهذه المشكلة , علينا أوَّلاً فهم أصل الموضوع و هو صناعة المال , من المعروف أن
النقود هي كل ما يتمتع بالقبول العام بين الأفراد في التداول لمبادلة السلع و الخدمات و مقياسا للقيم و مستودعاً لها  , وهي جزء لا يتجزء من النشاط الإقتصادي الذي يكون في أصله ذا طبيعة إجتماعية ,  و يعود تاريخ ظهور النقود الحالية إلى جملة من التطورات الإجتماعية و الإقتصادية التاريخية , حيث كان الناس في المجتمعات القديمة يتعاملون بالمقايضة أي مبادلة سلعة بسلعة , ثم ظهرت مشاكل عديدة و تفاقمت فظهرت السلعة الوسيطة , و كانت تلك السلعة تختلف من مجتمع لآخر حسب درجة الثقة في تلك السلعة , و مع مرور الوقت أصبح الذهب و الفضة و بقية المعادن النفيسة محل ثقة جزء كير من المجتمع لدرجة أنها أصبحت وسيطا للمبادلات , ثم صنعت منها النقود المعدنية بكل أشكالها , بعد ذلك ظهر البنك  أين أصبح الناس يخزنون ذهبهم الكثير هناك مقابل أوراق ودائع متكوب عليها قيمة الوديعة , و مع الوقت علِم الناس أن تلك الأوراق تساوي الذهب و من أجل تسهيل التجارة و التبادلات دون عناء جلب الذهب تمَّ التبادل بأوراق الودائع إلى أن أصبحت محل ثقة عامة الناس , و هنا ظهرت أول ورقة نقدية تحت غطاء من الذهب عادة و من الفضة و من بقية المعادن النفيسة أحياناً , و مع إضافة عامل آخر و هو جشع الإنسان و قلة الموارد ظهرت طباعة النقود من دون أي غطاء , فظهر معه ما يسمى بالتضخم .

نفس المبادىء تنطبق على الإقتصاد الحديث فقط بمفاهيم جديدة و مطورة و مُحدَّثة ,
فطبع النقود الآن لا يتم إلاَّ تحت غطاء من المعادن النفيسة أو من السلع و الخدمات أو من العملات الصعبة " لدى الدول النامية " , و إذا تم طبع النقود خارج أي غطاء فهذا سيسبب مشاكل إقتصادية صعبة جدا تؤدي في النهاية إلى هلاك المجتمع تلقائياً , و يسمَّى بالتمويل غير التقليدي أو بخلق المال , ولا يتم الإستنجاد بهذا الحل سوى عند حلول الكارثة الإقتصادية الكبرى كآخر حل ممكن قبل تغيير العملة و وفق شروط عديدة أهمه ضمان تعويض تلك القيمة من سلع و خدمات و معادن نفيسة خلال مدة زمنية قصيرة من أجل تدارك الأمر .

تستعمل الدول المتقدمة هذا الحل  مثل الإتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية  لتغطية الطلب العالمي الكثيف على عملتيهما أوََلاً , ثمَّ تغطية العجز الداخلي في البنوك المحلية من أجل إستمرار تمويل المشاريع المربحة و من أجل إستمرارية الإنتاج المحلي و التصدير
و هو ما يجلب عوائد كبرى و فوائد كبيرة للإقتصاد , بالمختصر المفيد طباعة المزيد من النقود لا يكون إلاَّ لطلب خارجي عليها أو داخلي , و بالرغم من الشروط - الطبيعية - و القانونية و الإقتصادية و الأخلاقية لطباعة النقود إلاَّ أنه لم تنجو أي دولة تقريبا من مستويات تضخم عالية , الفرق الوحيد هو أن الدول المتقدمة تمتص ذلك الفارق بسرعة كبيرة نتيجةً للطلب الدولي الواسع على عملتهم و سلعهم و خدماتهم و هو ما يضمن سيرورة و نمو إقتصاد الدول في إريايحية كبيرة. بالرغم من التضخم المؤقت  . 

لكن بالنسبة للدُّول النامية و التي لا تكون عملاتها ضمن سلَّة العملات العالمية المعتمدة في صندوق النقد الدولي FMI  و التي لا تمتلك إقتصاد إنتاجي كافي ولا تمتلك عملات صعبة في سلتها بشكل كافي  , فقرارها بطبع المزيد من النقود في كل الظروف هو إنتحار إقتصادي غير مُعلَن , بحيث يتسبب ذلك في ملايين المشاكل تبدأ أولها بالتضخم و تنتهي بزوال الدولة كيف ذلك ؟؟ 

أول نتائج طبع النقود هو إنهيار قيمة العملة و بإنهيار قيمة العملة تنهار القدرات الشرائية و تلتهب الأسعار و تنخفض الأجور تلقائياً , و عندها يبقى فقط مجرد وقت لتلتهب الجبهة الشعبية ضد الحكومة في المقابل أيضا ستواجه الحكومة ضغطا خارجيا رهيبا , و تصل إلى درجة كارثية أسطورية مثل ما يحدث مع الزيمبابوي أين يصل معدل التضخم  هناك إلى درجة تدوينه في كتاب غينيس للأرقام القياسية بحيث شراء البيض يكلفك 100 مليون دولار زيمبابوي هناك , و إن قامت الدولة الإقتراض الأجنبي من اي هيئة أو دولة كانت فإنها بصريح العبارة تسلم البلاد بالتمام و الكمال للأجانب بصفة مباشرة و بدون فائدة فلن ينفع ذلك في شيء بل سيزيد جدة التضخم و يزيد معها كل أنواع الضغوطات إلى أن تصل البلاد للحد الأقصى و هو بيع مؤسساتها ثم ربما تصل لبيع جزء من ترابها مثلما حدث مع روسيا القيصرية التي باعت آلاسكا للولايات المتحدة الأمريكية تسديدا لديونها , و الميكسيك التي باعت شبه جزيرة فيلاديلفيا  تسديدا لديونها لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ....الخ . و إن إستمر الأمر تزول الدولة بالكامل .

اليوم تلجأ الحكومة الجزائرية بقيادة الوزير الأول أحمد اويحيى إلى هذا الحل بالرغم من آلاف الحلول المُقترحة أمامها و تحجَّج الوزير الأول بأن الإمكانيات المالية للجزائر تكاد تنفذ , حيث نفذ تماماً صندوق ضبط الإيرادات الذي تآكل تدريجيا منذ سنة 2014 بفعل الصدمة البترولية و التي لا تزال تؤثر بقوة لحد الآن , حيث إنخفض من 5 آلاف مليار دينار جزائري إلى 700 مليار دينار وهذا في شهر فيفري 2017 أين تم إصدار قانون يمنع الصرف من أموال الصندوق  و الذي كان السبب الوحيد في مقاومة الجزائر للصدمة البترولية لمدة ثلاث سنوات , لكنه الآن نفذ مع نفاذ مصدر شحنه و هو الفارق بين السعر المرجعي للنفط المُقَر في الميزانية العامة بخمسين دولار للبرميل و بين السعر الحقيقي للبرميل في السوق و الذي كان يفوق 120 دولار إلى غاية سنة 2014 أين كانت الصدمة .

و سيتم طبع النقود و تمويل البنوك المحلية التي تكاد تنفذ كتلتها النقدية هي الأخرى , و كذلك تمويل الخزينة العمومية مباشرة , و يقول السيد الوزير الأول أحمد اويحيى أنَّ هذا التمويل لن يكون إستهلاكياًّ بل سيكون لصالح تمويل إستثمارات إنتاجية مُربحة , و تعزيز الإنتاج المحلي الوطني و الدفع نحو التصدير و البحث عن إيجاد مصادر دخل أخرى , و أكَّد الوزير الأول على أنَّ هذا التمويل غير التقليدي سيكون لفترة محدودة فقط تم تقديرها بخمسة سنوات , و هي ما أسماها المنتقدون لهذا القرار بالخمس العجاف نظرا للنتائج الجد سلبية التي ستعود بواقع سيء جدا على جيوب المواطنين و بصفة مباشرة أكثر من وقع الضرائب .

و حاول الوزير الأول طمئنة الرأي العام بذكر العديد من التجارب الناجحة , كتجارب اليابان و الإتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية , مُذكِّراً في الوقت ذاته أن تلك الدول تعاني من مديونية أكثر من الناتج المحلي الخام  PIB بنسبة تتعدى مئة بالمئة , بينما لا تتعدى المديونية الجزائرية الداخلية نسبة العشرين بالمئة من الناتج المحلي الخام الجزائري , و أكَّد أيضاً أنَّهُ لا ضرائب جديدة ستفرض في قانون المالية لسنة 2018 كما هو مزعوم .

و في سياق حديثه للطمئنة أضاف اويحيى قائلاً "
هم يستعملون و يغيرون المصطلحات حسب أهوائهم فإن كانو مستفيدين منها لطفوها و إن كانو غير ذلك شددوها " في رده على منتقدي البرنامج من الخبراء الإقتصاديين , و هنا يقصد في حديثه الدول المتقدمة بالطبع , و حاول أيضا تقديم براهين على أنَّ عملية القرض عير التقليدي ستكون ناجحة و لن تؤدي إلى تضخم حسب ما يروج له لأن عملية الطبع ستكون تحت غلاف من إحتياط الصرف من العملة الصعبة , و أشار إلى أن قيمة الدينار تتهاوى حتى بدون طبع المزيد من النقود .

تبقى حجج و براهين أحمد اويحيى الذي أراد أن يلعب دوراً إقتصاديًّا  واهية و جد غبية , بالنظر إلى المعطيات و الحقائق الإقتصادية الوطنية التي تفيد إلى أنَّ هذا الإجراء سيؤدي إلى الأزمة الكبرى .

فأولا الجزائر لا تمتلك إنتاجا يمكن على أساسه تصنيف الإقتصاد على أنه منتج حتى فما بالك بالإعتماد عليه لتغطية الضغط التضخمي الرهيب الناجم عن طبع النقود دون غلاف , و ثانياً لن يتم إضافة الضرائب في قانون المالية لأن الضريبة العملاقة القادمة في قانون مالية 2018 هي مستويات التضخم العالية , و ثالثا العجز المراد تغطيته  لن يزيد طبعاً بل سينفجر إلى أقصى حد بسبب غياب الإنتاج المحلي و التصدير , و رابعاً العملة الوطنية قد تفقد الثقة العامَّة و تنهار بلا رجعة و قد تضطر الحكومة في وقت لاحق إلى تغيير العملة جراء الإنخفاض السريع الذي ينتظر قيمتها , و خامساً لا يمكن لأي عاقل أن يعتمد على إحتياط الصرف الذي يتآكل بمعدل 36 مليار دولار سنوياً , و ماذا بعد إنتهاء إحتياط الصرف ؟ هل سنطلب من الدول الأخرى أن تطبع لنا النقود ؟؟.

يبقى هناك بصيص أمل يكمن في تغيير العقلية الإقتصادية للشعب الجزائري بالكامل , لأن العقلية المتجمدة الحالية لاتسمح للحكومة من إنجاح أي مخطط كان من أي نوع , فالمتعاملون الإقتصاديون عليهم الإسراع في إيجاد إستراتيجيات قوية لتكثيف الإنتاج المحلي و الإتجاه بقوة و بسرعة نحو التصدير في الأسواق الدولية , كما على الشعب الجزائري أن يستعمل مدخراته في شكل شراء لأسهم الشركات أو دخول البورصة و الأسواق المالية  بدل أن يكتنز أمواله في منزله و يكتفي بشراء الأجهزة المنزلية و السيارات ....الخ , و كذلك على الفلاحين الجزائريين أن يغيرو من عقلية إنتاجهم و على الدولة أن تراقبهم أكثر و تدعمهم , و على الفلاحين التقليديين  " مثل مزارعي المناطق الجبلية " و أغلبهم يهتم بزراعة الزيت الزيتون , عليهم أن يحولو عقليتهم من الزراعة من أجل الإكتفاء الذاتي للعائلة إلى الزراعة من أجل الإنتاج , حيث أن هذا فقط سيؤدي غلى ثورة إنتاجية على كل الأصعدة و في كل المجالات مما يسهل على الحكومة إنجاح أي مخطط كان حتى لو كان فاشلا من أصله , فالشعب هو العنصر الوحيد الذي يحدد نجاح أو فشل أي مخطط إقتصادي مهما كانت الظروف , و لا ننسى واجب الطلبة و الجامعيين بشكل عام الذي يتوجب عليهم الإهتمام بعلومهم و بالدراسة و بالأبحاث للمساهمة بأي قدر ممكن و لربما بذكائهم يتمكنون من إنشاء مؤسسات دون الحاجة إلى البحث عن الدعم , و لا ننسى أيضا المستوردون و أصحاب المال الوفير الذين يجب أن تزرع فيهم عقلية جديدة و هي عقلية الإنتاج و التصدير  بدل الشراء و الإستيراد . 

الجانب الوحيد الضيق الذي يجب على الحكومة و الشعب المناورة معاً و المخاطرة معاً  - ليس المخاطرة بالحياة طبعاً -  من أجل الخروج من الأزمة و هو بعث العقلية الإنتاجية في عقول الشعب بكل أطيافه حتى الشيوخ منهم , لقد وصلنا لهذه المهزلة لسبب واحد و بسيط و هو أننا لا نملك عقلية المنتج  . و إذا عُرِف السبب بطُلَ العجب حتى الفساد المقدس هو نتيجة لهذه العقلية .

شاهد عرض الوزير الأول لمخطط عمل الحكومة 






* نتمنى من قرائنا الأعزاء نشر هذا المقال لإفادة الجميع على الأقل  المساهمة في توعية من يمكن توعيتهم *

  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك

0 Comentair:

Post a Comment

Item Reviewed: طبع النقود ... حبل النجاة الأخير !! Rating: 5 Reviewed By: AyoubVision
Scroll to Top
google-site-verification: googleeb9bb8d83dc3c4d3.html