أزمة سياسية بين فرنسا و إيطاليا | صراع المصالح على إفريقيا في ذروته
أزمة سياسية متجددة بين فرنسا و إيطاليا
صراع المصالح على إفريقيا يصل لذروته
إشتعلت هذه الأيام حرب كلامية تسببت في أزمة ديبلوماسية و سياسية بين فرنسا و إيطاليا , و هذا على خلفية تصريحات لاذعة من نائبي رئيس الوزراء الإيطالي , حيث وجَّهت إيطاليا إنتقاداً لاذعاً مباشراً لشخص ماكرون وفرنسا بصفة عامَّة و ذلك على خلفية قضية المهاجرين و اللاجئين في البحر الأبيض المتوسط و الأزمة في ليبيا و كذلك بعض العوامل التاريخية و الإقتصادية , وهو ما يبرهن على أنَّ الإتحاد الأوروبي مبني على إتحاد المصالح ليس إلاَّ .
إنطلقت الملاسنات الكلامية من تصريحات نائب رئيس الوزراء الإيطالي الشاب لويجي دي مايو الذي إتهم فرنسا إتهاماً صريحاً بإفقار إفريقيا و التسبب في مأساة المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط , وطالب بإسم مبادرة حزبه " حركة خمسة نجوم اليمينية المتطرفة " الإتحاد الأوروبي بمعاقبة كل الدول التي تواصل إستعمار إفريقيا و في مقدمتها فرنسا .
وجاء بصريح العبارة " بعض الدول الأوروبية و في مقدمتهم فرنسا لم تكف عن إستعمار عشرات الدول الإفريقية , و إذا كان يوجد اليوم هجرة فهذا لأنَّ فرنسا تقوم بإفقارهم " , و أضاف إتهامات أخرى مضمونها هو أنَّ فرنسا تقوم بسرقة الثروات الإفريقية و إستغلالها دون أي وجه حق , و أبرز ماتقوم به هو طباعة المزيد من النقود لأكثر من أربعة عشر دولة إفريقية والتي لا تزال مُستعمرةً لحد الآن إقتصادياًّ و مالياً بسبب إعتمادها على الفرنك الفرنسي الذي تم طباعته من باريس , و تقوم فرنسا بإستغلال هذا الغباء الإفريقي بتسديد ديونها العامة عن طريق خلق تضخم يجعل المواطنين الأفارقة يدفعون ضرائبهم مباشرةً لفرنسا بدل أن تتوجه لتنمية بلدانهم .
وجاء بصريح العبارة " فرنسا تقوم بطباعة النقود لـ 14 دولة أفريقية و تستغل هذا لدفع دينها العام " , و لولا الدول الإفريقية لما كانت فرنسا إحى اقوى خمس إقتصاديات في العالم , بل رجَّح دي مايو أن تكون في المركز الخامس عشر على الأكثر بدون إفريقيا , ويذكر أن مايو لم يكف عن إنتقاد فرنسا و ماكرون شخصيا منذ نجاحه في الإنتخابات .
بعدها مباشرة قامت الخارجية الفرنسية بإستدعاء السفيرة الإيطالية يوم 22 جانفي لدى باريس للإحتجاج على التصريحات الأخيرة ووصفتها بغير المقبولة و غير المبررة , لكن هذا لم يمنع النائب الثاني لرئيس الوزراء الإيطالي وزير الداخلية ماتيو سالفيني من توجيه إنتقادات و تهجمات لاذعة أكثر من السابقة لشخص ماكرون و لفرنسا بشكل عام , حيث قال " لدي أمل في أن يتحرر الشعب الفرنسي قريباً من رئيس بالغ السوء " , ثم أورد بإتهاماته لفرنسا بإنتزاع ثروات إفريقيا كما اثار نقطة خطيرة على المستوى السياسي بقوله " إنَّ فرنسا لا ترغب إطلاقاً ف يتهدئة الأوضاع في ليبيا " , وقد وصفها مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالسخيفة.
و تدخلت الوزيرة الفرنسية المكلفة بالشؤون الأوروبية نتالي لوازو بتصريحها المثير للجدل هو الآخر " إنَّ فرنسا لن تشارك في مسابقة من الأكثر غباءاً " حيث وصفت كل الأهازيج التي أثارتها روما بالأكثر غباءاً , و لكن كل هذا لم يوقف الجانب الإيطالي عن حده , و تفاقم الأمر إلى أن وصل إلى البرلمان الأوروبي و الذي دعى الطرفان إلى التهدئة , و في هذا الصدد صرَّح رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي " إنَّ العلاقات بين روما و باريس لا تزال قوية بالرغم من كل هذا التوتر و التصعيد " , فيما تبنى اليمين المتطرف الفرنسي نفس الرأي المساند لنائبي رئيس الوزراء الإيطالي .
من هذا الجانب قد نقول نحن الأفارقة و المغاربة المعنيين المباشرين بهذه التصريحات , أن ماقاله الجانب الإيطالي صحيح و يمكن أن يكون قطرة في بحر , بالنظر لما تاخذه فرنسا من سمتعمراتها القديمة كل يوم وب أي طريقة كانت , إلاَّ أنه يجب أن لا ننحاز وراء العاطفة لأنَّ إيطاليا أيضاً هي دولة مستعمرة و لا فرق بينها و بين فرنسا , سوى أنَّ فرنسا تمكنت من بناء إمبراطورية إستعمارية إمتدَّت إلى ماوراء البحار , و إيطاليا لم تتجاوز قدرتها صوب ليبيا والتي لم تُعمِّر فيها أكثر من 30 سنة .
هذا يعني بالدرجة الأولى أنَّ فرنسا ضايقت إيطاليا في مصالحها في إفريقيا , حيث أنَّ روما تعتبر ليبيا منطقة نفوذ لها ولا تقبل أي مزاحمة من قبل أيٍّ كان , هذا النفوذ كان يتمثل في وقت القذافي في الشركات و الإستثمارات الإيطالية التي غزت ليبيا , و خصوصاً المؤسسات النفطية الإيطالية , لكن بعد نشوب الحرب الأهلية التي تعتبر فرنسا المسبب الأول لها بدعم كبير من ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق , فقدت إيطاليا جُلَّ هذا النفوذ لصالح أمريكا و فرنسا و بريطانيا , فلم تعد الشركات الإيطالية تحتكر السوق الليبي و لم يعد لها مكان ملائم أصلاً في ليبيا .
ناهيك عن عدم قدرة إيطاليا على منافسة فرنسا على المياه الإقليمية و السطو على مقدرات البلدان الضعيفة من الثروة السمكية في البحر الأبيض المتوسط , وفوق كل هذه الإمتيازات التي تستفيد منها فرنسا لوحدها في إفريقيا دون تقاسم أو تشارك مع أحد , فإنها تلقي كل حمولة المهاجرين على ليبيا و تعتبرها البوابة و الحاضنة الوحيدة للمهاجرين في أوروبا , و هذا مايجعل روما تستفيض غضباً جراء كل هذه التكاليف من دون مزايا .
كل شيء ماهو إلاَّ صراعٌ ذكي على المصالح فمنذ متى كانت إيطاليا تبكي على ضياع إفريقيا , بل هي في الحقيقة تبكي على ضياع فرصتها التي لم تستلغها لبسط نفوذ أوسع في إفريقيا , و الكل يريد أن يأكل غِلَّة الشعوب الضعيفة ولكن عندما لا تكون القسمة عادلة يتحول إلى معارض لتلك السياسة التي كان سيستفيد منها لولا جشع الطرف الثاني و أنانيته , هذا هو الأمر الواقع بين كل الدول الأوروبية بدون إستثناء بالمختصر المفيد.
شاهد ملخص للملاسنات الكلامية بين فرنسا و إيطاليا
أترك لنا تعليقك حول الموضوع من هنا
أحصل على كل جديد مباشرة من موقعنا بالضغط على " متابعة "
0 Comentair:
Post a Comment