فخامة الشعب يفرض قراره و سيادته
السلطة تخضع للضغط الشعبي
شهدت الجزائر هذا الأسبوع تطورات مُلفتة في الأحداث أشغلت الكثير من وسائل الإعلام العالمية ,أين كان القايد صالح الفريق الأول و قائد أركان الجيش الوطني الشعبي و نائب وزير الدفاع قد أكد في العديد من خرجاته الإعلامية في زياراته لمختلف الوحدات على وحدة الجيش و الشعب و اظهر مؤشرات مساندة لحراكه , حيث كان هذا الأسبوع حافلاً بالحراك الشعبي متنوع الأطياف و كذلك مزدحم بالقرارات و الإجراءات التي كانت كرد فعل من السلطة على الشعب , و هو مارفضه الشعب ليعود من جديد إلى الشارع للتعبير عن رفضه في إنتظار رد الفعل الثاني للسلطة الذي قد يحمل في طياته المزيد من التنازلات .
حراك 8 مارس : خرج حوالي 17 مليون مواطن جزائري في كل الشوارع الرئيسية و الفرعية للمدن الكبرى و المدن الثانوية عبر كل التراب الوطني من الشمال إلى الجنوب و من الشرق إلى الغرب , للتعبير عن الرفض الشديد للعهدة الخامسة , التي كان لا يزال يدافع عنها النظام لآخر لحظة , بينما كان الجيش الوطني الشعبي يؤكد دائما على وحدة رؤيته للمستقبل مع الشعب و على وقوفه بجانب الشعب الذي يعتبر بحسبه أصل هذا الجيش .
وكانت تلك المظاهرات قد صُنِّفت الأضخم في العالم للعشرين سنة أخيرة في موسوعة غينيس للأرقام القياسية
السبت 9 مارس : بعد أن إستشعرت السلطة أن الغضب الشعبي وصل لقمته و من أجل تخفيف أعداد المشاركين في المظاهرات داخل مدينة الجزائر العاصمة و التخفيف من ضغط الطلبة الذين يعتبرون المحرك الرئيسي للحراك الشعبي الكبير , قامت وزارة التعليم العالي و البحث العلمي التي يرأسها الطاهر حجار بتقديم عطلة الربيع من 21 مارس إلى 10 مارس لتستمر إلى غاية 4 أفريل مع تأجيل كل الإمتحانات العادية و الإستدراكية عبر كل الجامعات و المدارس و المعاهد الوطنية .
و تبعتها مباشرةً أوامر بإخلاء الإقامات الجامعية و هو ما أحدث هلعاً كبيراً في أوساط الطلبة المقيمين و خصوصاً البنات , أين لجىء الكثير منهم إلى تخميل مالديه هناك بأقصى سرعة و الجري وراء أي وسيلة نقل تُقِلُّهُ إلى المنزل , و حينها إمتلئت محطات نقل المسافرين و خصوصاً تلك المتواجدة في خروبة بالجزائر العاصمة و التي كانت على إستعداد لشن إضراب كبير شلَّ النقل خارج الولاية في اليوم الموالي , و كان فيم بعد التدخل المتأخِّر لوزارة التعليم العالي و البحث العلمي الذي فنَّد هذا الأمر و تبعه الديوان الوطني للخدمات الجامعية الذي أكّد على حق الطلبة المقيمين في الإستفادة من الخدمات المقدمة لهم طيلة أيام العطلة الربيعية.
الأحد 10 مارس : إستيقظ الجزائريون في هذا اليوم على وقع إضراب وطني جزئي مسَّ كل القطاعات تقريباً , و حتى التجار و الحرفيين و حطات النقل العمومي و خدماتها , كان كل شيء تقريباً متوقف و هذا ما أثار الكثير من المخاوف خصوصاً و أنَّ إنقطاع تزويد المواطنين بالمواد سريعة الإستهلاك قد يخلق المزيد من الغضب و قد تشتد الأمور لتسير في منحى آخر , و لكن الحمد لله لم يكن هناك شيء و تفطَّن التجار و عادو لعملهم بشكل عادي دون أن يمسو مصالح المواطن بضرر .
بالإضافة إلى إحتجاجات الطلبة التي كانت ضد العطلة الإجبارية المُقدَّمة من قبل وزارة التعليم العالي و البحث العلمي التي يرأسها الطاهر حجار و في نفس الوقت ضد العهدة الخامسة , و كالعادة كانت سلمية و نظيفة و مؤطرة بشكل تلقائي من قبل الطلبة في ذات أنفسهم , و في نفس الوقت كان العالم كله يترقَّب خروج بوتفليقة من مستشفى جنيف ليعود إلى أرض الوطن , وقد تمَّ ذلك من دون أن تُلتقط له أي صورة ماعدا صورة كان قد إلتقطها صحفي قناة النهار له و هو داخل سيارته الرئاسية في الموكب الرئاسي في الطريق السريع المؤدي إلى الإقامة الرئاسية بزرالدة .
الإثنين 11 مارس : في هذ اليوم مساءاً خرج عبد العزيز بوتفليقة للعامة عبر شاشة التلفزيون العمومي أين أظهره و هو يستقبل الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي و نائب وزير الدفاع قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح و الوزير الأول أحمد أويحيى و وزير الداخلية نور الدين بدوي و رمطان لعمامرة وزير الشؤون الخارجية , و بالرغم من أنه تروج بعض الشكوك حول صحة فيديو لقاء بوتفليقة مع الإبراهيمي نظراً للتشابه الكبير بين فيديو 2019 و فيديو 2017 لنفس الإستقبال .
و في ذات الأثناء أُعلِنَت رسالة منسوبة إلى بوتفليقة يُعلنُ فيه عن عدم ترشحه لرئاسة الجمهورية لعهدة خامسة و عن تأجيل الإنتخابات الرئاسية إلى أجل غير مُسمَّى و عن نيته في تغيير النظام و الإستجابة لتطلعات الجزائريين .
كما قدَّم الوزير الأول السابق أحمد أويحيى إستقالته من الوزارة الأولى و تمَّ تعيين بدله نور الدين بدوي الذي يشغل منصب وزير الداخلية و عيَّن رمطان لعمامرة نائباً له لأوَّل مرة في تاريخ الجزائر المستقلة , كما دعى لإجراء ندوة وطنية جامعة و شاملة من أجل تغيير النظام تغييراً شاملاً , و فور هذ الإعلان نزل الجزائرييون للتعبير عن رفضهم لهذها لقرارات و إعتبروها سخريةً منهم و هذا ماشاهده الجميع عبر شاشات القنوات العربية و الوطنية .
وفور طرح هذا القرار خرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حاشراً لأنفه بمباركته لهذه الإجراءات و دعى من خلال كلمته التي ألقاها في جيبوتي إلى أن تكون الفترة الإنتقالية قصيرة , بينما رحبت كذلك واشنطن بهذه القرارات و علَّقت روسيا على الموضوع بأنَّ " مايجري في الجزائر يخص دولة صديقة ذات سيادة لا يجوز التدخل في شؤونها ".
الثلاثاء 12 مارس : خرج الطلبة من كل الولايات للتعبير عن رفضهم القاطع لهذه الإجراءات و إعبتروها تلاعباً و مراوغةً من السلطة لهم و هناك من إعتبرها إستبغاءاً لعقول الجزائريين , كما ساندهم في هذا الطرح المحامين و المختصين في الدستور , بقولهم أنَّ كل ماحدث هو خرقٌ للدستور لأنَّهُ ببساطة شديدة ماقام به بوتفليقة لا يوجد أي سند قانوني له , فلا يجوز أن يقوم الرئيس بإلغاء الإنتخابات إلاَّ في حالة الحرب أو حالة ما تعرَّضت الدولة و مؤسساتها إلى خطر الزوال وهو ماتنص عليه المادة 107 و يعود الحق في إلغاء هذه الحالة الإستثنائية حسب المادة إلى الرئيس وحده , بينما كان ينبغي العمل بمقتضيات المادة 102 التي تقول بأنَّه إذا كان هناك عارضٌ يمنع رئيس الجمهورية من أداء مهامه كمرض مزمن أو موت و كل غياب يزيد عن 45 يوم يتم إعلان حالة شغور منصب رئيس الجمهورية , و تنتقل الصلاحيات إلى رئيس مجلس الأمة " الذي يشغله الآن عبد القادر بن صالح " و بعدها يتم إجراء إنتخابات رئاسية جديدة في مدة تقل عن الـ 90 يوم , لكن ماحدث هو فقط تمديد للعهدة الرابعة و جعلها من دون مدة محدودة .
كما أنَّ من وضع هذه الخطة نسي أمر المترشحين الذين قال عنهم المجلس الدستوري بكل برودة " إعلان نتائج الملفات المقبولة للمترشحين للإنتخابات الرئاسية المقبلة اصبح دون موضوع و سيتم حفظ ملفات المترشحين في الأرشيف " , وما ذهب إليه الكثير هو بطلان كل تلك الإجراءات بسبب وحيد و هو أنَّ بوتفليقة هو رئيس مُنتهيةٌ ولايته ولا يحق له إجراء تغيير حكومي و لا ترأس مرحلة إنتقالية .
ومما يلاحظ أكثر أن حجم المطالب إرتفع كثيراً مما كان عليه في السابق فقد أصبح المواطنون يطالبون برحيل النظام و تغييره جذرياًّ من دون تلاعب و لا إلتفاف على مطالب الشعب أو على الدستور .
الخميس 14 مارس : في هذا اليوم خرج تلاميذ المتوسطات و الإبتدائيات و الثانويات من كل ربوع الوطن بعد أن قرر أساتذة الأطوار الثلاث الدخول في إضراب وطني مساندةً للحراك الشعبي , و المؤسف الذي حصل هو وفاة أحد القُصَّر من المتظاهرين بعد أن حاول الصعود إلى أعلى العمود الكهربائي .
و إنطلقت صباحاً ندوة صحفية وطنية جمعت بين رأسي الحكومة الجديدة التي لم يتم تعيينها بعد مع صحفيين من كافة القتوات الوطنية الخاصة منها و العمومية , أين واجه أسئلة في الصميم أربكت كثيراً نور الدين بدوي الذي لم يُحسن التعامل إطلاقاً مع اي سؤال بالرغم من بساطتها , بل فوق كل هذا الإرتباك و التهرب من الأسئلة أطرب الحضور و المستمعين من كافة أرجاء الوطن بلغة الخشب الحادة التي تكاد تثقب الطبلتين , فيما كان لعمامرة ديبلوماسي بإمتياز في إجاباته .
الجمعة 15 مارس : و بعد أن شاهد الجزائريون مدى إرتباك السلطة و عدم قدرة الوزير الأول الجديد على إلقاء رد مقنع عن تلك الأسئلة تيقَّنو أنَّ السلطة لم تعزم بعد على الرحيل , فقررو الخروج بمليونية خيالية إندهش الجميع لرؤيتها بتلك الأعداد الغفيرة بحيث يكاد أن يكون الجميع خرج دون إستثناء , و قدَّرت وكالة رويترز للأنباء عدد المتظاهرين بمدينة الجزائر العاصمة بحوالي 4 مليون متظاهر , فما بالك ببقية الولايات كما صوَّرت مروحيات الشرطة لقطات لأعداد مهولة من المتظاهرين غطَت وسط مدينة الجزائر عن بكرة أبيها .
و قد نادى بوضوح كل المتظاهرين بضرورة تغيير شامل لهذا النظام و تنحي بوتفليقة نهائياً من الحكم و إعترضو على كل المحاولات القادمة من السلطة و إعتبرو أنَّ من كان في النظام لا يمكنه أن يقود مرحلة إنتقالية , حتى بحضور ديبلوماسيين من أمثال لعمامرة و الأخضر الإبراهيمي , فعلى مايبدو أنَّ كل شيء مرفوض و على السلطة أن تخضع خضوعاً تاماًّ لقرار الشعب من دون مراوغة .
وقد تميَّزت هذه المظاهرات كغيرها بالطابع السلمي و الودي بين الشعب و الشرطة , و كما شوهد في العديد من المناطق إحتفال الشرطة مع الشعب في نهاية المظاهرات , و هذا دليل على التلاحم الكبير و الوعي الذي إكتسبه الشعب الجزائري من جرَّاء الخبرة الطويلة التي تعرَّض لها في هذا الخصوص منذ 1985 .
و نحن نعتبر أنَّ فخامة الشعب نجح ولو جزئياً في فرض قراره على السلطة و أنَّ السلطة تخضع لما يأمر به الشعب ولو جزئياً لأنَّ كل هذا الإرتباك و محاولة المراوغة و تقديم تنازلات شفوية ولو كانت مخادعة فهو دليل على أنَّ السلطة هي من تخشى الشعب وليس العكس , فهذا النظام حقاً لا يستحق هذا الشعب .
شاهد ملخص أحداث الأسبوع بتحليل سياسي راقٍ
0 Comentair:
Post a Comment