أثارت الجولة الدولية المكُّوكية لوزير الخارجية و نائب الوزير الأوَّل المُعيَّن حديثاً رمطان لعمامرة لغطاً كبيراً في الشارع و في النقاشات و التحاليل السياسية فبعضهم من رأى أنها زيارات طبيعية لوزير خارجية يطمئن فيها الشركاء الإستراتيجين للجزائر عن الوضع الأمني و السياسي , و منهم من رأى أنَّهُ إستقواءٌ للسلطة الحاكمة بقوى خارجية مُستشهدين بدعم تلك الدول لخارطة الطريق التي تطرحها السلطة و هي التي يعتبرها الشعب محاولةً للإلتفاف على الحراك الشعبي الجزائري الذي قام من أجل إنهاء رموز الفساد , فماهي حقيقة زيارة وزير الخارجية لهذه الدول بالذات ؟!
النظرة التقنية : يمكننا أن نرى هذه الجولة من هذه الزاوية على أنَّ هدفها هو طمئنة الشركاء الإقتصاديين و السياسيين الإستراتيجيين للجزائر , و هذا ماكان ظاهراً للعيان من خلال الخطاب الذي سوَّقه لعمامرة لكل من رئيس وزراء إيطاليا و وزير خارجية الصين و روسيا و ألمانيا , أين أكَّد على سلمية الحراك الشعبي و على نيَّة وصدق السلطة " بإسم بوتفليقة " في تسليم المشعل لمن يختاره الشعب و على أنَّ الجزائر حكومةً و شعباً ترفض أي تدخل أجنبي , وماجاء في المقابل هو تأكيد كل الذين إستقبلو لعمامرة على أنَّهم لن يتدخلو في الشأن الداخلي الجزائري , و ذهب وزير الخارجية الروسي أبعد من ذلك أين حذَّر جميع الدول من التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر و إعتبرها " دولة صديقة ذات سيادة " .
و حُجَّة هذه النظرة هي أنَّ من توجه لهم لعمامرة هم فعلاً شركاء إستراتيجيين للجزائر , فإيطاليا هي الزبون الأوَّل للجزائر بقيمة 5,457 مليار دولار في سنة 2018 بزيادة 7.2% , كما تعتبر المستورد الأوَّل للغاز الجزائري بنسبة 60% , فهي مهمة جداً بالنسبة لنا من هذه الناحية و بالتأكيد أي إضطراب أو إختلال في الجزائر قد يتسبب في مخاوف لإيطاليا مما قد تُضطر للبحث عن البديل و هنا ستخسر الجزائر سوقاً مهمًّا لصادرات الغاز , خصوصاً و أنَّ عقود الغاز تستمر لعشرات السنين .
أمَّا الصين فهي الممون الأول للجزائر بقيمة 4,133 مليار دولار في سنة 2018 , كما تعتبر أيضاً زبوناً مُهِمًّا بقيمة 1,177 مليار دولار في نفس السنة , وهي من أهم مصادر تسلُّح الجيش الوطني الشعبي بعد روسيا و هي أيضاً تحوز على نسبة إستثمارات مُهِمَّة جداً في الجزائر بنسبة تصل إلى 40% من بين الإستثمارات الأجنبية بقيمة 7,4 مليار دولار , و كما يعلم الجميع هي من أبرز المُنجزين للمشاريع الحكومية , و بالتالي فإنَّ أي إختلال و أي إضطراب في الجزائر سيضر المصالح الصينية من جهة و سيضر كذلك التموين و الواردات بالنسبة للجزائر كما قد تُضطر الشركات الصينية العاملة في الجزائر إلى الإنسحاب في حال ما أحسَّت بالخطر و هو ما يزيد الطين بلة بالنسبة لنسب البطالة .
وبخصوص الدُّب الروسي فالأمر يتعلَّق على وجه الخصوص بالمصدر الأساسي الأوَّل لتسليح الجيش الوطني الشعبي , كما أنَّ روسيا هي شريك سياسي إستراتيجي للجزائر منذ زمن طويل يعود لأيام الإتحاد السوفياتي الذي كان مصدراً مُهِمًّا لسلاح الثورة التحريرية الكبرى , كما كان أول دولة تعترف بإستقلال الجزائر و له مساهمة كبيرة في إمداد الجزائر بالخبراء في العديد من المجالات و كذلك في إنشاء البنية التحتية الصناعية و الزراعية في السنوات الأولى للإستقلال .
ولا تخرج ألمانيا عن نمط العلاقات " الجزائرية الروسية " كثيراً , فهي في المرتبة الثالثة من حيث مصادر تسليح الجيش الجزائري كما تعتبر خامس أكبر مُموِّن بقيمة 1,888 مليار دولار في سنة 2018 بزيادة تُقدَّر بـ 2,16% , و من الجانب السياسي تبحث الجزائر دائماً على الخروج من دائرة النفوذ الفرانكفوني بتنويع علاقاتها السياسية و الإقتصادية مع أقطاب متعددة و من أبرزها ألمانيا , وبالرغم من أهميتها غير البارزة إلاَّ أنَّ لها أهمية بالنسبة للجزئر كمنفذ للسوق الأوروبية , بالإضافة إلى أنَّ ألمانيا لها قوة سياسية مهمة في أوروبا يجب أن تستفيد منها الجزائر .
لكن هذه النظرة قاصرة من جانب أنها لا تأخذ إلاَّ بما هو ظاهر بشكل مباشر فالدول التي تحترم نفسها لا تخدم سوى مصالحها في كل كلمة تقولها و لا تمنح شيئاً بالمجَّان ولا تمنح مواقفاً لمجرَّد المواقف و لا تكون سنداً لأي جهة إلاَّ إذا كانت بالضرورة ضامنة لمزايا و فوائد من أي نوع كانت .
و من هنا يجب أن نلقي على الموضوع من النظرة الشمولية حيث نتطرق إلى جوهر الزيارات المراطونية للعمامرة بدل النظر إلى شكلها و طبيعة العلاقات مع هذه الدول , فالنظر لجوهر هذه الزيارات يقودنا للتركيز على الوضعية الحالية للسلطة في الجزائر أين نرى الآثار التي ألقى الحراك الشعبي القائم بظلالها على سلوك السُّلطة .
فالبنسبة لروسيا التي أثار وزير خارجيتها اللَّغط الكثير عندما عبَّر عن الدَّعم غير المباشر لخارطة الطريق التي تطرحها السلطة و يرفضها الشعب , بالإضافة إلى التحذير الذي أطلقه لكل الدول بخصوص التدخل في شؤون الجزائر , و هو ماجعل الكثيرين ينظرون لهذه الزيارة على أنَّها إستقواء بالخارج , و منه تمَّ إسقاط مخرجات زيارة لعمامرة لموسكو على كل الزيارات الأخرى .
فمن هذا المنطلق نرى زيارة لعمامرة لإيطاليا على أنَّها طمئنة لمصالح الشركات الإيطالية و على رأسهم الشريك الأول لسوناطراك " إيني " , و نرى زيارة الصين طمئنة لمصالحها في الإستحواذ على المشاريع و التسهيلات و الإمتيازات فيما يخص الإستثمار , و نرى زيارة ألمانيا على أنها طمئنة بتسهيل فتح الأسواق الجزائرية و تقديم تسهيلات أكثر لرجال الأعمال الألمان و للمنتجات الألمانية .
وبالرغم من أنَّ كلاً من النظرة التقنية و النظرة الشمولية لهذه الجولة المكوكية تبقى تحمل جانباً من النُّقص فلا يمكن تغليب واحدة على الأخرى كما من الممكن أن يكونا متكاملتين في واقع الزيارة , وبما أنَّ الغالبية العظمى من الجزائريين يتَّفقون أكثر مع النظرة الشمولية فهذا لعدَّة أسباب و هي :
1- عدم إلتفات رمطان لعمامرة إلى الجماهير و مقابلتهم بشكل مباشر و النزول إلى الميدان. 2- الأفكار المُسبَّقة المطروحة في وسائل التواصل الإجتماعي . 3- الرفض الشعبي الكامل لرموز السُّلطة . 4- الحساسية الشعبية المُفرطة من التدخل الأجنبي . 5- إنعدام الثقة في ما تطرحه السُّلطة . 6- غياب الوعي الإقتصادي و السياسي الكافي .
هذا و في إنتظار ماستسفر عليه الأيام المقبلة في ظل عجز الوزير الأول نور الدين بدوي عن تكوين حكومة كما وعد قبل أكثر من أسبوع بسبب رفض الشخصيات الوطنية الإنضمام , في مقابل إرتفاع الضغط الشعبي على السلطة و مطالبتها بالرحيل .
شاهد نبذة عن الجولة المكُّوكية لرمطان لعمامرة
أترك لنا تعليقك حول الموضوع من هنا
أحصل على كل جديد مباشرة من موقعنا بالضغط على " متابعة "
0 Comentair:
Post a Comment