970x90 شفرة ادسنس

التدخل الأجنبي الناعم في الحراك الشعبي الجزائري


التدخل الأجنبي الناعم في الحراك الشعبي الجزائري

الدول ذات المصالح تتابع بحذر الوضع


شاهد الجزائريون هذا الأسبوع جولة لوزير الخارجية و نائب الوزير الأوَّل رمطان لعمامرة زار فيها عدد من الدول الأوروبية و الآسيوية ليشرح فيها خارطة الطريق التي تطرحها السلطة لتجاوز الأزمة السياسية و الدستورية الحالية في الجزائر " بالرغم من أنَّ السلطة نفسها من تسببت فيها " , إلاَّ أنَّ مالوحظ من هذه الجولة هو تسويق للجانب الحضاري و السلمية التي تميزت بها المظاهرات بالجزائر عبر 48 ولاية " بغض النظر عن ما قد يكون تناوله تحت الطاولة والذي لا نعلم بوجوده من عدمه " , و من جانب الدول التي زارها ردَّت كلها تقريباً بنفس الطريقة و كانت تعد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر , فهل هذا حقًّا وعد نابع من القيم و المبادىء السياسية لهذه الدول أم أنه مجرد غطاء لتدخل أجنبي ناعم !!

لنفهم الموضوع جيِّداً علينا العودة إلى سلسلة التصريحات القادمة من عواصم مختلف الدول بشأن الحراك الشعبي الجزائري و كان أولى تلك التصريحات قادمٌ من باريس على لسان المتحدث الرسمي بإسم الحكومة الفرنسية الذي دعى إلى الإستجابة للحراك ثم عاد مرة أخرى لينفي أي محاولة فرنسية للتدخل في شؤون الجزائر , ليخرج بعد ذلك وزير الخارجية الفرنسي و يصرح بدعم فرنسا للمسار الديموقراطي القاضي بإجراء الإنتخابات في وقتها .

ولم تتأخر الولايات المتحدة الأمريكية في حشر أنفها هي الأخرى عن طريق المنظمات غير الحكومية و عن طريق الناطق بإسم وزارة الخارجية الأمريكية , حيث كانت منظمة العفو الدولية قد دعت السلطات إلى عدم ممارسة القمع على المتظاهرين و السماح لهم بالتظاهر و الإستجابة لمطالبهم , في حين سارت الخارجية الأمريكية على نفس الخط داعمة لتوجه الحراك الشعبي الجزائري .

بطبيعة الحال الشعب الجزائري يملك حساسية شديدة إتجاه أي تدخل أجنبي مهما كان نوعه و يرفض حتى الأقلام الأجنبية التي تدعم هذا الحراك و تدعم مطالبه , فما بالك بدولة تتدخل في شؤوننا .

إلاَّ أنَّ هذا لم يمنع إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الذي يعاني الأمرَّين من ناحية الإلتزامات الإقتصادية في الإتحاد الأوروبي و إتجاجات السترات الصفراء , حيث حشر أنفه بدعوته لأن تكون المرحلة الإنتقالية قصيرة و أوضح دعمه لهذا المسار و لقرار السلطة بإلغاء العهدة الخامسة , و تبعه تصريح من واشنطن بدعم خارطة الطريق هذه .

و هذا مافجَّر الغضب الشعبي و زاد من حدته و من حدَّة الحساسية المفرطة إتجاه التدخلات الأجنبية و كان الرد الجزائري على الرئيس الفرنسي قويا من خلال المسيرات السلمية العملاقة و من خلال الكمية الهائلة من المكالمات التي تهاطلت على مبنى قصر الإليزيه مقر رئاسة فرنسا , طالب فيه الجزائريون فرنسا بعدم التدخل.

بعد ذلك قام رمطان العمامرة بهذه الجولة التي زار فيها كل من إيطاليا و الصين و روسيا و ألمانيا , و كل هذه الدول عبَّرت عن إرتياحها من الأوضاع في الجزائر و عن مساندتها لخارطة الطريق المطروحة من قبل السلطة و عن وعود و إلتزامات بعدم التدخل في الشؤون الجزائرية .
أما على المستوى العربي فالأثر كان من الإمارات العربية المتحدة التي يتهمها الكثيرون بدعمها للنظام الجزائري و بعملها على إنهاء هذا الحراك الشعبي , وبالرغم من أنَّهُ لا يوجد أي تصريح رسمي عن دعم للنظام , لكن الزيارات المتكررة للمسؤولين الجزائريين على الإمارات و خصوصاً القايد صالح جعلت بعض المحللين يضعونها في قائمة الدول المتدخلة في الشأن الجزائري , خاصة و أنَّ لها مصالح في الجزائر هي الأخرى , وأبرزها منحها تسيير موانىء الجزائر و جنجن .

و كان الرد الروسي هو الذي لقي صدى واسع وذلك حينما دعى بأنَّه لا يجب لأي دولة في العالم التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر , وهو تصريح لم يختلف كثيراً عن ماقاله النظير الصيني و الألماني , و ماجعل زيارة لعمامرة لروسيا تتصدر المشاهد أكثر هو الأفكار المسبقة التي تتحدث عن " إستقواء بالخارج " و عن لجوء النظام لدعم خارجي .

لكن هل صحيح أنَّ هذه الدول المحورية لا دخل لها بالشؤون الداخلية للجزائر ؟!

بالنظر إلى الجوانب الإقتصادية و الإستراتيجية للموضوع فهذا يقودنا للإجابة بلا , طبعاً لأنَّ الجزائر ليست وحدها على هذا الكوكب و ليست منعزلة عن البقية فالعالم الآن كالقرية الكل يحتاج الكل و الكل يجب أن يتعامل مع الكثير .

فبالنسبة لإيطاليا فهي تعتبر الزبون الأوَّل للجزائر حيث إرتفعت في 2018 نسبة الصادرات الجزائرية إلى إيطاليا بنسبة 7.2% و هذا بقيمة 5.457 مليار دولار , و تأخذ أكبر حصة من صادرات الغاز الجزائري بنسبة تصل إلى 60% , و من الطبيعي أن يهمها كثيراً إستقرار الجزائر لأنَّها ببساطة تعتمد عليها في إشباع حاجياتها من الطاقة , فلا يمكنها أن لا تتدخل بأي طريقة كانت بالرغم من نفوذها الضعيف في الجزائر , و إلاَّ ستوجه إهتماماتها نحو مصدر آخر للطاقة كبديل و هذا بالطبع لا يصب في مصلحة الجزائر التي يعتمد إقتصادها بصفة تامة على المحروقات .
وبالنسبة للصين فهي الممون الأوَّل للجزائر بقيمة تصل إلى 5 ملايير دولار سنوياً و بإرتفاع سنوي يقدر بـ 21 % , كما أنها حليف إستراتيجي من ناحية أنَّها المصدر الثاني لسلاح الجيش الوطني الشعبي , وهي المستحوذة على نسبة تفوق 30% من الإستثمارات الأجنبية داخل الجزائر , كما أنَّ معظم المشاريع تستحوذ عليهم الصين , وبالتالي فإنَّ عدم تدخلها في الجزائر هو مجرد كلام و فقط .

و بالنسبة للدب الروسي فالأمر واضح ومعروف لدى الكثيرين , فروسيا هي الممون التقليدي الأول للجيش الجزائري منذ أن كانت في ثوب الإتحاد السوفياتي , و بين الجزائر و روسيا تحالف إستراتيجي في ميدان السلاح و الأمن و الطاقة , خصوصاً و أنَّ روسيا و الجزائر يُعتبرون الممون الأساسي للقارة الأوروبية بالغاز و البترول .

أمَّا ألمانيا فهي ثالث أكبر ممون للجيش الجزائري بالسلاح و المعدات القتالية و التجهيزات العسكرية كما أنَّها شريك صناعي مهم للكثير من المؤسسات الوطنية , و تسعى الجزائر دائماً لبعث سبل شراكة مع المانيا في الجانب الصناعي , وفوق كل هذا تُعتبر علاقتها مع الجزائر كورقة سحب للضغوطات الفرنسية على الجزائر, حيث أنَّ الجزائر تسعى لتكوين علاقات قوية مع ألمانيا من أجل أن تتيح لها ولوج السوق الأوروبية , بدل الإعتماد على فرنسا لوحدها .

أمَّا بخصوص فرنسا فكما يعلم الجميع هي صاحبة النفوذ العميق في الجزائر إقتصاديا و تجاريا و ثقافيا و كل شيء تقريباً بحكم روابط الإستعمار , و فوق هذا تستحوذ على مايفوق 60% من الإستثمارات الأجنبية في الجزائر بالإضافة لإمتلاكها لـ 450 مؤسسة بالجزائر , تشغل 40 ألف عامل بمنصب مباشر و 100 ألف عامل بمنصب غير مباشر , و تعتبر الجزائر الشريك الإقتصادي الأول لفرنسا من القارة الإفريقية بحكم مبادلات تقدر سنوياً بـ 8 ملايير أورو , و تأتي في المرتبة الثالثة من حيث زبائن الغاز و النفط الجزائري و بعض المنتجات الأخرى بقيمة 4.183 مليار دولار و هي أيضاً ثاني ممون للجزائر بقيمة 2.668 مليار دولار .

و بخصوص الولايات المتحدة الأمريكية فهي تعتبر الجزائر الشريك الإقتصادي الأول لها في المغرب العربي حيث تحوز الجزائر على نسبة 70% من المبادلات التجارية المغاربية مع الولايات المتحدة الأمريكية .

كل هذا يؤدي بنا لإستنتاج واحد وهو إستحالة عدم تدخل هذه الدول في الشأن الجزائري , لأنَّ أي إختلال في موازين القوى بالجزائر يؤدي لإختلالات و أضرار مهمة على إقتصادياتهم , فكل طرف يريد المحافظة على حصته بأي طريقة , و الجزائر أيضاً من مصلحتها أن تحافظ على الشراكات الإستراتيجية مع زبائنها .

لكن لماذا هذه الدول متخوفة من التدخل الصريح و المباشر و لماذا تتحدث بأدب عن الجزائر ؟!

يعود هذا ببساطة إلى طبيعة الشعب الجزائري التي أظهر فيها أنه يرفض رفضاً قاطعاً أي تدخل أجنبي كما أنَّ السياسة الخارجية الجزائرية إلتزمت دوماً بهذا المبدىء و بتحييد مثل هذه التدخلات خصوصاً في التسعينات أين كانت النار مستعرة , كما أنَّ هذه اللَّباقة هي فقط بسبب الغموض الذي يكتنف المشهد السياسي الجزائري و هو ما يستفيد منه النظام في كل مرة بحيث لا يكشف كل أوراقه دفعة واحدة , و السياسة الخارجية الجزائرية عوَّدتنا على الصمت و التعامل مع الإستفزازات الخارجية ببرودة " كحادثة تيقنتورين مثلاً " .

وفوق كل هذا يمكننا أن نضع كل التصريحات و الإشادة بالحراك و بالجزائر كدولة ذات سيادة في إطار التحضير النفسي لتدويل القضية في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة إن لزم الأمر .

و السبب الأقوى الذي يجعل كل الدول ذات المصالح تتكلم بأدب و بصوت خافت جداًّ عن الشأن الجزائري و ترفض الخوض فيه و تنادي بعدم التدخل , هو سياسة الحفاظ على التوازنات بين القوى الكبرى التي تقوم عليها السياسة الخارجية الجزائرية التي تستمد قوتها من السياسة الطاقوية , فعندما ترى الحقول النفطية و حقول الغاز و كل مايتم إستخراجه من الأرض الجزائرية هو مُقسَّم بين المؤسسات الأمريكية و الصينية و الفرنسية و الإسبانية و حتى الإيطالية و البريطانية , كما أنَّ قيمة الإستثمارات و صفقات السلاح هي الأخرى مُقسَّمة بحسب مدى إستراتيجية العلاقة بين البلدين , فهذا الأمر يفيد الجزائر بأعتبارها دولة ريعية غير منتجة و أي إحتكار لأي مؤسسة داخل ترابها سيؤدي بلاشك لضغوط كبرى على الجزائر من قبل المحتكرين قد تفقد إستقلالية المواقف الجزائرية و إستقلاليتها في أمور أخرى .


شاهد نبذة عن ردود الفعل من الدول الأجنبية إزاء الحراك الشعبي






أترك لنا تعليقك حول الموضوع من هنا

أحصل على كل جديد مباشرة من موقعنا بالضغط على " متابعة "


إشترك على قناتنا في اليوتوب من هنا 



  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك

0 Comentair:

Post a Comment

Item Reviewed: التدخل الأجنبي الناعم في الحراك الشعبي الجزائري Rating: 5 Reviewed By: AyoubVision
Scroll to Top
google-site-verification: googleeb9bb8d83dc3c4d3.html