في الأمس القريب كنا نسمع يومياًّ صباح مساء من قبل مشاييخ و علماء السعودية اللعن و التكفير المستمر 24 ساعة على 24 ساعة ضد الشيعة , و كلنا يتذكر اليوم الذي أعلنت فيه السعودية قطعها العلاقات الديبلوماسية الهشَّة أصلاً مع إيران بحجَّة أنها عدو للمسلمين السنة و تتدخل بإستمرار في الشؤون الداخلية لدولة المنطقة , و يمكن للجميع أن يتذكَّر الحملة الشرسة التي صاحبت هذه المقاطعة و خصوصا من رجال الدين و أولهم مفتي المملكة السعودية " عبد العزيز آل الشيخ " و هيئة كبار العلماء و الذين كانو دائما يصفون الشيعة بالكفار و يصفونهم بأشد و أبشع العبارات الممكنة حتى صوٍِّر لنا بأن الشيعة عدوٌّ للأمة الإسلامية أكثر من اليهود , و اتبعت هذا كل القنوات التلفزيونية الخليجية الإمراتية و البحرينية و غيرها , من أجل تسويق الصورة السوداء للشيعة بأي شكل كان .
و تم إستعمال حجة عداء الشيعة و المشروع الإيراني في المنطقة في العديد من المناسبات لتسريع القبول الشعبي الخليجي والرأي العام الإسلامي و خصوصاً في الأزمة السورية , أين قامت الدول الخليجية و على رأسها السعودية و قطر بتمويل سخي للجماعات الإرهابية من أجل إسقاط الدولة السورية الذين يعتبرون أن نظامها مجرم و سفاح و خاضع لإيران الشيعية , مثله مثل خط المقاومة في لبنان و فلسطين " حماس و حزب الله " و وصفتهم بالإرهاب , و لم تكتفي بذلك فقد إستعملت حجة محاربة الشيعة و المشروع الإيراني في اليمن أين أقامت حرب ضروس ضد الشعب اليمني الذي يدفع يومياًّ ثمن تعنُّت و سياسة آل سعود الخائبة , حيث حاربو و مايزالون يحاربون الحوثي و أنصاره بسبب وحيد و هو محاربة المد الشيعي الإيراني .
ناهيك عن الأسطوانة التي تم ترسيخها في أذهان الشعوب الإسلامية بأن السعودية هي حامية الإسلام و بأنها تسعى لمحاربة الشيعة أينما حلُّو , و تقطع العلاقات صباحاً مساءًا و تكاد آذاننا تنفجر من سماع كلمة المد الشيعي الإيراني الإرهابي مئات المرات في كل القنوات التابعة للدول الخليجية , و لم يتوقف الأمر هنا فقط بل أصبحت أي دولة تعارض المصالح الغريبة للسعودية و حلفاءها توصف بحليفة الشيعة أو بالشيعية مباشرة , حتى شعوب المشرق الأوسط تأثرت كثيرا بهذه الدعاية المغرضة التي لا أساس لها , حيث تلاحظ أنك إذا تحدثت مع خليجي في هذا الموضوع و خالفت رأيه سيقول لك أنت شيعي أي بمعنى أنت عدو لي .
نعم فقد تفنَّنت أجهزت الإعلام الخليجية في رسم أسوء الصور عن الشيعة في أذهاننا , لكنَّها همَّشت القضية الفلسطينية بشكل كامل فلا حديث سوى عن عاصفة الحزم ضد شيعة الحوثي و عن إسقاط النظام السوري الشيعي . لكن القضية الأهم غابت عن أنظارهم بشكل شبه كامل .
و بالرغم من كل هذا التشويه تسعى السعودية الآن إلى محاولة لتصحيح علاقاتها مع العراق , العراق التي كانت تصفه بالولاية الإيرانية و تصفه بالخاضع لإيران , و بعد أن إستعاد بعضاً من توازنه في المنطقة بعد الإنتصارات الكبيرة التي حققها ضد التنظيم الإرهابي الدولي " داعش " يبدو أنها تريد تصحيح الوضع . و تريد كذلك إسترجاع موطىء قدم لها في العراق فقدته سابقاً بسبب غطرستها السياسية الغريبة , و جاء هذا أيضا في ظل توافد كبير لسياسيين و مسؤولين عراقيين على السعودية كان آخرهم الزعيم الأبرز في التيار الصدري و مؤسسه الشيعي مقتدى الصدر , ووصف حيدر العبادي الزيارة بالأمر الطبيعي و في نفس الوقت حدَّد رئيس الوزراء العراقي بأنَّه من واجب العراق التصدي و مقاومة أي إعتداء ضد إيران ووصفه أيضا بالواجب الأخلاقي
و أضاف أيضا المتحدث بإسم زعيم التيار الصدري " صلاح العبيدي " بأنَّ محمد بن سلمان ولي العهد السعودي و قائد القوات المسلحة الملكية إعترف بخطأ السعودية و الحكم في السعودية من حيث التعامل مع العراق , و يعتبر المحللون و المتابعون بأن هذه الزيارة تدل بوضوح على أن السعودية بدأت تراجع علاقاتها مع العراق و تتخذ مساراً تصحيحيًّا على أن تعود العلاقات الديبلوماسية السعودية العراقية إلى وضعها الطبيعي.
للتذكير فقط فإن السعودية قاطعت العراق منذ أيام الزعيم صدَّام حسين و بعد زواله إعتبرت أن العراق أصبح تحت الهيمنة الإيرانية , و في خلال هذه الفترة كما ذكرنا أعلاه كانت الأجهزة الإعلامية تعمل ضد العراق بإعتبارها شيعية تكفيرية , لكنها الآن في هذه المرحلة تحاول مسح هذا المناخ غير الجيد بين السعودية و العراق , أين إفتتحها وزير الخارجية السعودية عادل الجبير بزيارة , كما إستقبلت السعودية حيدر العبيدي رئيس الوزراء و السيد الأعرجي وزير الداخلية العراقي و الذي يمتلك نفوذ كبير داخل فلول الحشد الشعبي , و هاهي الآن توجه دعوة رسمية لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر .
العراق الآن أصبح جزء من محور إيراني سوري لبناني و يحاول الآن إستعادة دوره العربي بعد أن يرتب بيته و قد تأتي الإنتخابات العراقية القادمة بما يفيد ذلك و قد تغير هذه الإنتخابات الإستراتيجية السياسية للعراق في محاولة للعودة إلى الجذور العراقية العربية الأصيلة , كما يصاحب هذا نشوء أحزاب سياسية علمانية في العراق منفتحة على الشيعة و السنة بعيداً عن النزاع الطائفي الذي يسود العراق منذ عقود , و قد تكون قيادة المملكة العربية السعودية قد أدركت الوضع جيداً بأن العراق في طريقه لإستعادة توازنه في المنطقة و ربما يصبح له ثقل كبير , وتسعى إلى محاولة تصحيح العلاقات باكراً إدراكا منها أنَّها إن تخلفت عن إقامت علاقات مع العراق فقد تكون الخاسر الأكبر أمام المنافس الأهم في المنطقة على النفوذ و هو إيران .
و أكد المتحدث بإسم التيار الصدري بأن السعودية لا تسعى حالياًّ إلى فرض نظام حكم سني في العراق , أي يعني ذلك قبولها بالتواجد الشيعي الذي كانت تنعته بالعدو في كل مكان , وهي الآن فعلا غير قادرة على اللعب على هذا الوتر أصلا فهي تدخلت لسبع سنوات في سوريا و لم تغير النظام هناك و تدخلت لعامين و نصف في اليمن و لم تغير النظام هناك أيضا . أي أنه هناك فشل كبير للسياسة السعودية في تغيير الخارطة السياسية للمنطقة , بإقامتها لتحالفات غير مجدية و توجهات خاطئة .
قد نشهد إنفتاح سعودي غير مسبوق على العلاقات مع العراق , و سيصاحب هذا بالفعل سحب الكلمات المهينة للشيعة من وسائل الإعلام العربية الخليجية , و قد نرى مستقبلا تسامحاً أكبر و ليونة في التعامل مع القضايا الإيرانية التي تعتبر الآن أكثر من شائكة , و من الممكن كذلك أن نشهد وساطة للعراق بين القوى الإقليمية السعودية و إيران لتهدئة الأوضاع و تخفيض حدة التصعيد الذي يأتي من وقت لآخر , و يمكن أن يكون هذا مفتاح الحل للأزمة الخليجية الأخيرة ضد قطر , أين كانت من أبرز التهم الموجهة لقطر من قبل مصر و الإمارات و البحرين و على رأسهم السعودية هي التعامل و التخابر و التعاون الوثيق مع إيران التي تُعتبر العدو الأول لدول مجلس التعاون الخليجي .
حقيقة من المضحك أن تتكلم عن سياسة سعودية , ففي كل مرة تقوم القيادة السياسية في السعودية بأمور متهورة و أحيانا غبية و أحيانا تكون خاضعة للقوى الكبرى " الولايات المتحدة الأمريكية " , فلا أحد يذكر موقف ثابت واجد للملكة السعودية منذ أن تم إنشائها , اليوم حليفة لقطر و غدا تقطع معها العلاقات , اليوم تقطع العلاقات مع إيران و تحارب الشيعة و غدا تبحث عن علاقات جديدة مع شيعة العراق و تدعو إلى نبذ الطائفية التي أسستها هي و أعوانها بجيش إعلامي رهيب , لم تتخلى السعودية عن نرجسيتها السياسية لحد الآن , فقراراتها المتسرعة و التي تنبع من غضب سريع للملك أو الأسرة الحاكمة و في الكثير من الأحيان يغيب عنصر التعقُّل و الرزانة في إصدار الأحكام . ناهيك عن التبعية الكبرى للقوى العظمى في العالم .
0 Comentair:
Post a Comment