970x90 شفرة ادسنس

لماذا طُرِدَ تبون ؟ | هل إستحوذ المال على السياسة !!


الأسباب الخفية لطرد عبد المجيد تبون من الحكومة

نكهة طاغية لنفوذ المافيا المالية على السلطة السياسية

تمر اليوم أسبوع فقط على تنحية عبد المجيد تبون من على رأس الحكومة الجزائرية , بعد شهرين فقط من تعيينه , تنحيته هذه التي صنعت الحدث و أثارت البلبلة في الأوساط الإعلامية و الشعبية هاهي اليوم بعد أيام قليلة فقط تختفي و كأنه لم يحصل شيء , هذا إن دلَّ فإنَّهُ يدل على أمرين كلاهما مُر الأول الذكاء الذي تتمتع به الجهات الحاكمة في الدولة لتمرير المشاريع وسط إحتقان شعبي قوي بإستعمال سياسة الهروب إلى الأمام , و الثاني هو ذاكرة السَّمك الذي يتميز به شعبنا الكريم , وبمجرد ظهور طرائف " الطريقة الصوفية الكركرية " و بعد الإستغلال الإعلامي الجيد لها  نسى الشعب القضية الأهم و نسى كيف سيواجه قانون المالية لسنة 2018 الذي يظل مجهول الهوية لحد الآن .

الأمر الذي يجب أن يعلمه الجميع قبل الخوض في هذا الموضوع هو أنَّ عبد المجيد تبون هو إبن النظام و إبن الدولة و لابُدَّ أنه يعرف جيدا سيرورة هذا النظام و ماهية الخطوط الحمراء التي لا يجب الوصول إليها و ماذا يجب عليه أن يفعل , بالإضافة إلى ذلك فهو يتبجح ككل المسؤولين في الدولة و يفتخر بالولاء لشخص الرئيس و لبرنامج الرئيس كل يوم صباح مساء , و كذلك يعتبر أحد أعضاء اللجنة المركزية في الحزب العتيد , و من هذا المنطلق فهو لا يختلف مع بقية الأشخاص المحسوبين على نظام الحكم , أي يمكن أن نقول من هنا و بالإستناد إلى هذه المعلومات الأولية أنََّ إحتمالية الصراع بينه و بين أجنحة أخرى في الحكم ضعيفة جدًّ .

لكن من الجهة الأخرى يجب أن نضع فرضية عُش الدبابير الذي حرَّكه تبون بقراراته المعارضة للمصالح
المالية لرجال المال الأكثر نفوذاً في الجزائر و المقربين من مدير ديوان الرئاسة و أخ الرئيس السعيد بوتفليقة.
و من المعلوم للعام و الخاص أنَّ القرارات التي إتخذها عبد المجيد تبون  كانت تهدف إلى تخفيض فاتورة الإستيراد و ذلك بإلغاء توطين الإستيراد لعدد كبير جدًّا من المواد بلوائح كان يتم إصدارها كل ثلاث أيَّام تقريباً , و هذا ما أضر كثيراً برجال المال المستوردين و الذي لم يكتفي بالإضرار بمصالحهم المالية بل تسبب في توقيف نشاط العديد من المستوردين الذين أثقلو كاهل الخزينة العمومية بالخردوات و البلاستيك و الكماليات الأخرى العديدة , و هنا يمكن أن نعيد نفس الفرضية الأولى و نضعها في طرحِ قوي مفاده تغوُّل سلطة المال على السياسة .

تعود الوقائع عندما إنطلق التسويق لها منذ أن نطق تبون بعبارة "
فصل المال عن السياسة " في خلال طرحه لبرنامج الحكومة على البرلمان بغرفتيه الذي وافق بالأغلبية و أعطى لهذا البرنامج صفته الشرعية , ثم بدأت التقارير المالية للقطاعات الوزارية في عهد عبد المالك سلال تظهر إلى العلن الواحدة تلوى الأخرى و أبرز تلك التقارير و التي أوردناها سابقا في موقعنا , هي بلوغ سقف إستيراد الكماليات من المايوناز و الشكولاطة إلى 500 مليار دولار خلال فترة سلال و في عز التقشف !! , كما ظهرت عناوين أخرى كثيرة تتعلق بإختلاسات و تهريب أموال و تبذير من طرف مسؤولين و موظفين في تلك القطاعات دون رقيب أو حسيب , إضافة إلى الفضيحة الكبرى التي كانت في بيت وزارة الصناعة أثناء فترة عبد السلام بوشوارب و التي أكدت تقارير حكومة تبون آن ذاك أنَّ التبذير وصل إلى 7000 مليار !!! , بالإضافة إلى طرح وزير الصناعة و المناجم السابق محجوب بدَّة لفضيحة من العيار الثقيل تمس توجُّه حكومة سلال بأكملها و هي الإستيراد المقنع للسيرات تحت غطاء التركيب , أين فضح بالتفصيل و الأرقام كيف يقوم رجال المال الفاسد بإستغلال إمتيازات الحكومة و الإعفاءات الضريبية مقابل تركيب العجلات أو بعض اللواحق في السيارة التي 90% مستوردة بشكل جاهز تمامًا ,  هذا و غيرها من الفضائح التي مسَّت تقريبا كل القطاعات دون إستثناء , فمن السياحة إلى الأشغال العمومية و النقل .......الخ .

و الغريب في الأمر أن حكومة عبد المالك سلال و وزارئه المتعاقبون , كانو يؤكدون لنا كل يوم صباحًا و مساءًا و حتى ليلاً أحياناً بأنَّ كل شيء مراقب و يسير وفق برنامج الرئيس و أنَّ الدولة تتحكم بشكل جيد في كل المشاريع , و أنَّ الدولة ماضيةٌ نحو تصنيع السيارات و أنَّ نسبة الإدماج في تركيب السيارات بتيارت لمصنع رونو الجزائر فاقت 14%  لكنها في الحقيقة لم تتجاوز 1% بعد الكشف عن الفضيحة , هذا و العديد من القرارات و التطمينات الحكومية القديمة لعبد المالك سلال و التي ظهرت أغلبها على أنَّها كذب في كذب .

و بعد ذلك شرعت الحكومة السابقة لعبد المجيد تبون في البدأ بتطبيق بعض قراراتها الرامية إلى فصل المال عن السلطة و إبعاد رجال المال عن مفاصل الدولة , و تصحيح مسار ترشيد النفقات لإنقاذ الخزينة العمومية و إحتياط الصرف الوطني من النفاذ , فباشرت وزارة التجارة بإعداد قوائم من المواد التي يمنع تصديرها , و باشر وزير الصناعة بالإسراع في إعداد دفتر شروط لتركيب السيارات بالجزائر و تشجيع المناولة لوضع إستراتيجية صحيحة نحو تصنيع سيارات جزائرية مستقبلا , وبدا الأمر و كأنَّ الجزائر عادت إلى السكة الصحيحة للنمو و إعادة الأمور الإقتصادية إلى مجاريها و الخروج من النفق المظلم , مع إتباع سياسة زراعية و صناعية تحت رقابة الدولة .

لكن تبون لم يتوقف عند هذا الحد بل أراد تطبيق قرار فصل المال عن السلطة كما جاء في برنامجه , و أول ما ظهر جلياًّ عن هذا التوجه هو عندما قامت مصالح الوزير الأوَّل بطرد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد من إفتتاح المدرسة العليا للضمان الإجتماعي بالجزائر العاصمة , هنا بدأ الحديث و التسويق لصراع بين الوزير تبون و رجال المال , بعد ذلك لم يطل الوقت طويلاً حتى تحالف رئيس نقابات العمال في الجزائر عبد المجيد سيدي السعيد مع علي حداد في إجتماع سري المضمون في إقامة جنان الميثاق داخل أسوار فندق الأوراسي بالعاصمة , بعدها مباشرة إنطلقت حملة حكومية على أعضاء مؤسسات FCE الذين يعيشون بدم فاسد و مال فاسد , فكانت أولى الإعذارات منطلقة من وزارة الدفاع الوطني و التي أمهلت علي حداد 8 أيام للبدأ في مشروع إنطلق فيه منذ سنة 2015 و لم يتقدم فيه إلاًّ بنسبة 14% في الإنجاز , و تابعته وزارات النقل و الأشغال العمومية و وزارة السكن و العمران و وزارة الفلاحة و التي بقرار من الوزير تبون ألغت كل الإمتيازات الحكومية التي تقضي بمنح الأراضي الفلاحية لمستثمرين خواص و إعادة النظر و التحقيق في كل الأراضي التي تم منحها بطرق مشبوهة و التي لم يتم إستغلالها بعد , كل هذا و قرارات أخرى بالجملة ضربت مصالح رجال المال بقوة وزلزلت مصير مؤسساتهم , فمجمع شركات حداد وحده تلقى أزيد من 14 إعذار من مختلف القطاعات ,  و لم يقتصر الأمر على علي حداد فقط بل إمتد إلى أعضاء آخرين من منظمة رؤساء المؤسسات , الأمر الذي عجَّل بقيام تحالفات و إجتماعات سرية بين مختلف الرجال الذين تجمعهم المصالح المالية للحيلولة دون الإفلاس بعد الحملة الحكومية التي قادها تبون .

صحيح أن الحملة تم تسويقها بشكل مضخم كثيرا عن ماهي من طرف وسائل الإعلام التي تستغل بقوة أي حدث شائع للترويج للقضية , إلاَّ أن الحقيقة الإقتصادية تؤكد فعلا أن رجال المال تضرَّروُ بالفعل من جراء توقيف سلعهم في الموانىء و منعها من الخروج بعد دخول رخص الإستيراد حيز التنفيذ . و بعد الإجتماع الذي قام بين رؤساء المؤسسات و سيدي السعيد و الذي خرج ببيان ينتقد فيه الحكومة بشدة و يطالب تبون بالعدول عن قراراته , في ذلك الوقت ردَّ تبون عن طريق مصالحه برسالة للمتحالفين مفادها أن برنامج رئيس الجمهورية الذي تم توقيعه و الموافقة عليه من قبل البرلمان بغرفتيه يرتكز على فصل المال عن السياسة و تنظيف المحيط الإقتصادي من الفساد المالي .

إلى هنا ظنَّ الجميع أن الرئاسة هي من تقف وراء قرارات عبد المجيد تبون , و تحيَّر البعض كيف يمكن أن تسقط إمبراطورية المال  الفاسد بالجزائر , إلاَّ أنَّ الرَّد كان سريعًأ و الذي ظهر جلياًّ خلال جنازة رضا مالك رحمه الله عندما إلتقى الثلاثي الخطير  رئيس نقابات العمال عبد المجيد سيدي السعيد و رئيس منتدى أرباب العمل علي حداد المعني بالموضوع و الطرف المفصلي و الأهم و الذي وُجِّهت له كل الأنظار المستشار الخاص للرئيس و شقيقه السعيد بوتفليقة , كل الكمرات و كل الصور أظهرت ودًّا غير بريء بين الثلاثي , فمن القهقهات غير الجائزة في الجنازة إلى المشي معاً و ركوب سيارة واحدة معاً , و من جهة أخرى ظهر الوزير تبون منفردً و منعزلاً , و هذا ما أثار شكوك و مخاوف حول تحالف شيطاني لتنحية عبد المجيد تبون و إلغاء قراراته و الإنقلاب عليه .

في تلك الأثناء بالذات إرتفعت شعبية تبون إلى أقصى حدودها في أوساط الشعب الجزائري بأغلب أصنافه و الذي بدأ يستعيد الثقة بالحكومة الجزائرية و نظام الدولة بشكل عام وتدريجيًّا منذ تعيينه على رأس الحكومة إلى غاية ظهور بوادر صراع بينه و بين أجنحة المال الفاسد في السلطة .

لكن الرياح لم تسير كما تشتهيه السفن , فتبون و حكومته فجأةً دخلو في عطلة رسمية غير مُعلنة , و مشكوكٌ في ميقات هذه العطلة خصوصا و أن تبون نفسه أعلن أن لا عطلة حكومية هذه السنة , إضافةإلى العادات البوتفليقية الذي يحيل المسؤول على العطلة عندما يريد تنحيته . و هذا حدث مع العديد من المسؤولين السامين في الدولة قبل تبون , و المرحلة الفيصل التي عجَّلت بقوة سقوط تبون هي أنباء عن لقاء غير رسمي جمعه هو ورئيس الوزراء الفرنسي بباريس برغبة من الجانب الفرنسي .

هنا إنطلقت حملة إعلامية ضد تبون , فأطراف تقول أنه تم بغير علم الرئاسة و هذا خط أحمر ومن المستحيل أن يقوم به رجل من أبناء النظام و هو يعلم جيدا أنه إنتحار له , فقد أكدت مصالح الوزير تبون بأن اللقاء تم بضوء أخضر من الرئاسة و بحضور نائب وزير الدفاع القايد صالح , لكن الموجة الإعلامية كانت أقوى من ذلك بكثير , ويبدو أن قرار تنحيته كان قد تم إعلانه في تلك اللحظات , حيث إنطلقت وسائل إعلام مقربة من الحكومة خاصة و عمومية , ببث أخبار يومية عن الأماكن التي يقضي فيها تبون عطلته بدقة متناهية , و ركزت وسائل الإعلام على الإطاحة بسمعة تبون لدى الرأي العام الجزائري بالتركيز على الفنادق الفخمة و المنتجعات الباهرة التي زارها تبون مع عائلته في عطلته السنوية .

مايؤكد فرضية المؤامرة على تبون , هو ماجائت به الجرائد الفرنسية خلال ذلك و التي أوردت أن لقاء تبون برئيس الوزراء الفرنسي جاء لطمئنة تبون لنظيره بأن المصالح الفرنسية لن تُمس و سيعمل على الحفاظ عليها في الجزائر , كما أرودت أيضا ضمانات قدمها الوزير تبون لنظيره الفرنسي تؤكد عدم مساس رخص الإستيراد بالمصالح الفرنسية .

و خلال هذه العطلة الملعونة خرجت تعليمات تم نسبها بإسم رئيس الجمهورية تنص على أمر الحكومة بوقف التحرش برجال المال و الإفراج عن السلع المحجوزة في الموانىء و وقف الهالة الإعلامية التي تسوق لحملة رسمية على رجال المال التي شوهت نظرة المراقبين الدوليين لمناخ الإستثمار بالجزائر , وبالرغم من أن هناك أطراف كثيرة تحدثت عن زيف هذه الأوامر الرئاسية و نسبها بالباطل لرئيس الجمهورية , إلا أنه كان لها وقع كبير في الساحة السياسية و الإجتماعية , و هنا تأكد الجميع بأن أيام تبون على رأس الحكومة باتت معدودة.

و فعلا و للأسف تحققت المخاوف و تمت إقالة تبون بإسم رئيس الجمهورية الذي لم يظهر إطلاقاً , و تم تعيين مدير ديوان الرئاسة و مستشار الرئيس  وزيرا أولاً خلفاً لتبون , و لقي هذا التعيين ردود أفعال ساخرة و أخرى ساخطة من قبل أوساط الشعب الجزائري الذي تحطمت معنوياته و أمله اتجاه التحسن و التطور و القضاء على المال الفاسد في الدولة , و بالطبع و دون الخوض في التفاصيل قام اويحيى مباشرة بتغيير المسار الذي كان عليه تبون  و ألغى و جمد معظم القرارات و الإجراءات المتخذة في عهده و أبرزها المفتشية المالية التي إنطلقت للتو في عملها للمراقبة المالية و التحقيق المالي و المحاسبة المالية للمؤسسات المستفيدة من دعم الدولة .

كما تقول القاعدة إذا عُرِف السبب بطُل العجب , و لمعرفة السبب علينا و حصراً أن نعرف المستفيد , و بدون العودة و التذكير بالمستفيدين من طرد تبون من قصر الدكتور سعدان , نرجح فرضية سيطرة و تغلب المصالح المالية لرجال المال الفاسدين على مفاصل و دواليب و قرارات السلطة السياسية لنظام الحكم في الدولة .

ما نستنتجه من كل هذا هو سقوط و تحطيم هيبة و سيادة مؤسسات الدولة و التي من المفروض أن تكون هي العنصر الفاعل في صناعة القرار و ليس سلطة المال الفاسد . كل هذا يمر تحت أقدام رئيس لا يقوى على التنفس أحياناً و لا يقوى على الإدراك لما يجري له ولحوله , و كل هذا يسري في خلال سطوة الغرباء عن السياسة على الحكم .

تابع التحليل المختصر لأسباب سقوط تبون و حكومته 

سيجهز الفيديو بعد لحظات


  • تعليقات الموقع
  • تعليقات الفيس بوك

0 Comentair:

Post a Comment

Item Reviewed: لماذا طُرِدَ تبون ؟ | هل إستحوذ المال على السياسة !! Rating: 5 Reviewed By: AyoubVision
Scroll to Top
google-site-verification: googleeb9bb8d83dc3c4d3.html