بعد مرور مئة عام على معاهدة سايكس بيكو التي قسَّمت الشرق الأوسط إلى دويلات صغيرة , ذلك التقسيم كان حسب النفوذ البريطاني و الفرنسي حيث تم تعيين حكام عرب من الذين قادو الثورة العربية ضد الإمبراطورية العثمانية بدعمٍ بريطاني , أين نجحو هناك في إسقاط الخلافة الإسلامية العثمانية التي حكمت لمدة 625 سنة , و بعدها عادت النزعة القومية لتقسم المنطقة إلى قطع صغيرة بأنظمة موالية للغرب , و لهذا التقسيم أثرٌ عميق في بروز العديد من القوميات الأخرى , فقد تم التنازل و إخفاء و تهميش القومية الإسلامية التي جمعت آلاف الأعراق و الأنساب و اللغات و الشعوب تحت ظل الدولة الإسلامية الموحدة , و تم إستبدالها بالقومية التركية و القومية العربية و هو الذي تسبب في إنهاء الخلافة الإسلامية العثمانية بشكل نهائي ,و عند توقيع معاهدة سايكس بيكو لتقسيم الشرق الأوسط لم يتم ذلك التقسيم وفق القوميات المتواجدة هناك فقط من أجل النفوذ و تنصيب العرب الذين حاربو الدولة العثمانية كمماليك على تلك المناطق و منهم العائلات الحاكمة حالياًّ في الخليج و الأردن .
من المعروف بأن أي عرق أو قومية يتم إستفزازهم عبر المساس بمشاعرهم و طمس هويتهم الأصلية و محاولة إحتوائهم و إتباعهم ضمن هوية أخرى بالقوة يعود بالسلب و بنتائج كارثية على الدولة ككل بعد ضعفها و غياب هيبتها , و هذا ماكان حيث أنَّ سياسات التعريب و تمجيد القومية العربية و محاولة غرسها في أذهان غير العرب في مقابل طمس و محاربة الهوية الأصلية أدَّى إلى ظهور تمرُّدات في مناطق مختلفة من الأراضي العربية , و أقواها هي التمردات الكردية .
من هم الكورد ؟؟ و ماهو أصلهم ؟ و ماهي أرضهم الأصلية ؟
الكُرد هُم السكان الأصليون لتلك الأراضي التي تسمى الآن بكورديستان الكبرى و التي لها أجزاء كبرى من الجنوب التركي و شمال و شرق العراق و غرب و شمال إيران و شرق و جنوب سوريا و هي مساحة كبيرة جدا عاش عليها الأكراد منذ آلاف السنين , شكَّلو أمتهم و لهم لغة رسمية الكردية و لهم تقويم خاص بهم , و يعتبرون من السكان الأصليين لتلك المناطق منذ ما قبل الميلاد , سكنو منطقة ما بين جبال جاك روس و جبال توروس وهي المنطقة التي يسميها الأكراد كورديستان الكبرى , و يعتقد البعض أنهم من سلالة سام إبن نوح عليه السلام , بينما يعتقد آخرون أنهم من ولد ربيعة بن نزار , و آخرون يزعمون أنهم من ولد نضر بن نزار و منهم من يعتقد كذلك أنهم من ولد كورد بن كنعان , و يتفق أيضا معظم المؤرخين على أنَّ أصولهم العرقية تعود للمجموعة الهندو اوروبية و أنهم أحفاد قبائل الميديين التي هاجرت في الألف الثاني قبل الميلاد , و استطاعت أن تنشر نفوذها بين الأقدميين وتشكلت هنا تركيبة سكانية جديدة عُرفت فيما بعد بالأكراد . وتنتمي اللغة الكوردية إلى مجموع اللغات الإيرانية و هي فرع من أسرة اللغات الهند اوروبية , وهي التي تضم اللغات الأفغانية و الكوردية و الطاكجية و الفارسية و قد مال أكراد العراق و إيران إلى اللغة العربية عند إنتشار الإسلام فهجرو الأبجدية الخاصة بهم و إعتمدو على الأبجدية الكوردية , بينما ظل أكراد سوريا و تركيا يستعملون الأبجدية اللاتينية , و أما أكراد الإتحاد السوفياتي كانو يستعملون الأبجدية الروسية .
و لم يتمكن الكورد في أي يوم من إنشاء دولة مستقلة بإسمهم بالرغم من أنهم شعب متجانس عرقا , و ظهرت كلمة كورديستان كأول مرة في القرن الثاني عشر ميلادي في عهد السلاجقة , عندما فصل السلطان السلجوقي سنجار القسم الغربي من إقليم الجبارد و جعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه , و أطلق عليه كورديستان و كانت أراضي هذه الولاية تمتد من أراضي أذربيجان و دوريستان , إضافة إلى المناطق الواقعة غرب جبال جاغوس مثل شهرزود و كوريسجنق . يشكل أكراد العراق نسبة عشرين بالمئة من أكراد العالم , و يعيش حوالي عشرين مليون كوردي في تركيا بينما يعيش قرابة ثمانية ملايين كوردي في إيران و يعيش سبعة ملايين كوردي في العراق و يعيش ثلاث ملايين و نصف كوردي في سوريا , و يصل تعدادهم في العالم إلى قرابة الخمسة و خمسين مليون كوردي حول العالم , و بخصوص الأكراد الذين هاجرو لاوروبا الشرقية فهم لا يتعدون الثمانمئة ألف شخص .
و كلمة كورديستان لا يعترف بها قانونياًّ أو دوليًّا , فهي لا تستعمل في الخرائط و الأطالس العالمية , كما أنها لا تستعمل رسميا إلاَّ في إيران .
قد يتسائل البعض كيف أصبحت تظهر هذه القوميات الآن و تنفي إنتمائها للعرب و كلٌّ لها أصلها و عرقها الخالي من العرب , و لماذا ظهر هذا الكره الشديد المتزايد ضد العرب ؟؟
الجواب سهل جدا , العامل الأول المساهم في ذلك هو تعنُّت الكثير من حُكَّام العرب و مواجهتهم لهذه القوميات و منهم من حاول طمس هويتهم بالقوة مثل تركيا التي تحضر التحدث باللغة الكوردية بالرغم من أن أغلبية كورد العالم هم في تركيا , و مثلما حدث في عهد المملكة العراقية و كذلك يحدث في العديد من المناطق التي تحوي إثنيات أخرى هناك , و العامل الثاني هو التأثير الغربي و زرع الفتن و العمل على إستراتيجية فرق تسد و هي التي يتبناها الصهاينة لإنجاز مشروع الكيان الصهيوني الأكبر الذي يمتد من نهري دجلة و الفرات إلى نهر النيل , كما أن التمويل الصهيوني و التعاملات التجارية الكبرى بين كورديستان و الصهاينة ليست سرية و يجري الدفع بإستقلال كورديستان بدعم صهيوني واضح و ليس حتى سري .
لكن يجب أن نعود بالأذهان إلى السبب الأول و الرئيسي , و هو تهميش و إبعاد و إزالة القومية الإسلامية من الطريق , في العصور الوسطى عندما كانت فقط القومية الإسلامية كانت تجمع ثلاث قارَّات موحدَّةً لونهم و عرقهم و لغاتهم و قومياتهم و أنسابهم و كل شيء , في ذلك العصر الجميل شاركت كل هذه الأعراق و الأنساب و الأجناس في تقدم الإمبراطورية الإسلامية الموحدة , و التي وصلت لأبواب مدينة بوردو الفرنسية آخذتً شبه الجزيرة الإيبيرية كاملةً تحت مسمى الأندلس , لكنَّ بعد ذلك طغى الفكر القومي العربي على الفكر القومي الإسلامي , فأصبح الحكام يتكلمون عن عروبيتهم وليس عن إسلامهم و ينسبون كل شيء للعرب حتى الإسلام ينسبونه إلى العرب و بأن العرب هم من نشروه ..........الخ .
هذه العنصرية التي إنطلقت من حكام العرب الأوائل بدأت تكبر , لدرجة أنه تشكلت دويلات كثييييييرة جدا في المشرق العربي و المغرب الكبير و الأندلس , هذا ما دفع لاحقا لإظهار كل مسلم قوميته الاصلية , فليس جميع المسلمين عرب بل أغلبهم عربهم الإسلام , لكن العنصرية القومية العربية و التي نسبة إلى نفسها كل شيء , متناسين أن القومية الوحيدة التي لها قائمة و هل القومية الإسلامية و التي توحد الكل تحت غطاء واحد , عندها ظهرت القومية التركية و أصبحت عدوة ضد القومية العربية فنشأت ثورات كثيرة ضد آخر خلافة إسلامية عثمانية , ظهرت فيما بعد القومية المغولية و القومية التركمانية و الأفغانية و الهندية و.........الخ وصولا إلى الكوردية و الأمازيغية , فكلهم هم في الأصل ليسو عرباً بل جمعهم لواء الإسلام , لكن غلو و طغيان الفكر القومي العربي على الفكر القومي الإسلامي جعل كل الأعراق التي ليست من أصل عربي تنسحب تدريجيا , إلى أن تشتت الأمة الكبرى إلى أكثر من 60 دولة منها الناطقة بالعربية و منها بالأعجمية , و لا تزال تتشتت لنفس السبب .
عندما تقهر أو تظلم عرق ما أو مجموعة أعراق و قوميات سيسهل بالكثييير على العدو إستغلال تلك القومية للثأر منك و تفكيك دولتك و جعلك تنهار تلقائياًّ , نفس الشيء حدث في الإتحاد السوفياتي و مناطق أخرى , عندما تُغَيَّبُ القومية الإسلامية و تُستبدل بالقومية العربية - و هنا لا نقصد المساس باللغة العربية - هنا يشعر كل القوميات الأخرى بعدم إنتمائهم للواء واحد و هو الإسلام , فكل منه يبدأ التفكير في أصله و قومه الأول و يتمنى لو كانت قوميته هي التي تُنسب إليها كل هذه الإنجازات . و هذا هو الخطأ الأكبر لأن الإنجازات الإسلامية جاءت بأيادي مسلمة من كل الأعراق و الأجناس , فلا فرق بين أعجمي و عربي إلاَّ بالتقوى .
اليوم يتباكى العرب قيام القومية الكوردية و قربها من تحقيق حلم الدولة الكوردية , العرب و الأتراك و الفارسيين الإيرانيين عليهم أن يصمتو الآن لأن الأوان قد فات فعلا , لأن الأكراد إنغرس فيهم الظلم اتجاه عرقهم و لغتهم و قوميتهم و تاريخهم , و بعددهم البالغ خمسة و خمسين مليون كردي و بعقليتهم الشديدة هي الأخرى من سابع المستحيلات إحتوائهم تحت لواء الوطنية لكل دولة تابعين لها , لأنهم فعلا الآن لا يشعرون بأي إنتماء لتلك الدول , أصبح لديهم إنتماء جديد و هو الدولة الكوردية و التي تجمع جميع أبناء عرقهم المتجانس
حتى لو لم يتمكن الأكراد الآن من تحقيق إستقلالهم , فقد دبَّ فيهم الشعور الوطني الكوردي الذي لا يتم محوه لا بحرب و لا بأي شيء آخر لأن الأوان قد فات .
تركيا و إيران تحشدان جيشهما على الحدود مع إقليم كورديستان العراق تحسبا لنتائج الإستفتاء , فنتيجة الإستفتاء وحدها ستدب الشعور القومي الكوردي و تزيده قوة في قلوب الأكراد حول العالم و يزيد تشددهم في تحقيق حلم دولتهم التي تقوم على أنقاض أربع دول في الشرق الأوسط . و هي إن لم تتأجل فستكون حتما حربا قومية عالمية جديدة في الشرق الأوسط يتم من خلالها جر الجيش التركي و الجيش الإيراني و ما تبقى من جيش عراقي و سوري لحرب طاحنة غير منتهية يتم فيها إنهاك و إستهلاك ماتبقى من قوى هذه الدول لغايات أجنبية تخدم مصلحة الحلم الصهيوني الكبير لإنشاء كيانه على تلك الرقعة الغنية التي تدعى بالهلال الخصيب , تربة خصبة و ثلاث أقوى مصادر مياه كلها ستكون تحت الملك الصهيوني في حال نجاح خططه .
0 Comentair:
Post a Comment