لبنان مهدد بالحرب الطائفية الجديدة بأيادي إيرانية و سعودية
الأيادي الإيرانية و السعودية تعبث بإستقرار لبنان
لم تمر إستقالة سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني من العاصمة السعودية الرياض مرور الكرام على الساحة السياسية اللبنانية و الشرق أوسطية , حيث تباينت ردود الأفعال من كل الأطراف المشاركة في صناعة القرار اللبناني , فمنهم من ينتقد بشدة العمل الذي قام به رئيس الوزراء اللبناني السابق من فعل يُقلل من قيمة الدولة اللبنانية و نظامها بالكامل , كما و توجه الأطراف اللبنانية جل إتهاماتها إلى المملكة العربية السعودية مُعتقدةً أنَّ ما يحدث الآن للحريري في السعودية هو حجز بأتم معنى الكلمة , فقد مرَّت لحد الآن أكثر من ثلاث أيام على إستقبال السعودية للحريري و لم يعد بعد إلى بلده لبنان , فيما ينتظر الرئيس اللبناني ميشال عون عودته من أجل توضيح الأمور و الحديث معه حول ما جرى بالكامل و في نفس الوقت رفض الرئيس اللبناني قبول إستقالته لحد الآن , و قام بإرسال برقيات لكل دول العالم يوضح فيها بأن ما يحدث لرئيس وزراء لبنان هو إختطاف و إحتجاز بكل ماتعنيه الكلمة , بينما ترى أطراف لبنانية أخرى و منها حزب المستقبل اللبناني الذي يرأسه سعد الحريري أن الإتهامات الموجهة للسعودية باطلة و أن رئيس الوزراء سيعود قريباً و ستعود المياه إلى مجاريها .
لكن الأمور ليست بسيطة بهذا الشكل فالساحة اللبنانية لا تتحكم فيها الدولة اللبنانية بل أطراف خارجية لا علاقة لها إطلاقاً بلبنان بل تسعى فقط لخدمة أجندتها و مشاريعها الخاصَّة , و الأطراف المتنازعة هناك معروفة للعام و الخاص أوَّلها الطرف الإيراني الممثل في حزب الله اللبناني في ما يُسمَّى محور المقاومة , و هو الذي ظهر و نمى على أنقاض الحرب اللبنانية الصهيونية و التي كان حزب الله طرفاً فاعلاً فيها بدون أدنى شك سواءاً اكان ذلك مجرد حرب إعلاميَّة تسويقيَّة أو حرب مقاومة بماتحمله الكلمة من معنى فهو فعلاً نجح في السيطرة على مفاصل الدولة اللبنانية سواءا من قريب أو من بعيد و هو يشكل دولة لوحده بشبكة إتصالات خاصة به و جيش خاص به و قيادة سياسية خاصة به , و هي عقيدة تُعرف بالميليشيا و المستعملة بكثرة في حرب العصابات لأنها تنجح بالضرب و التخفي بسرعة .
و الطَّرف الثاني وهو السعودية و من معها مُمثَّلاً بحزب المستقبل اللبناني و كيانه السياسي الذي يحكمه أصله سعودي و له الجنسية السعودية و تتلخَّص قيادة حزب المستقبل في الشخص المذكور أعلاه سعد الحريري إبن الحريري الذي تم إغتياله منذ فترة ليست ببعيدة . تُعتبر شخصية سعد الحريري شخصية معتدلة و لها الكفاءة العالية على قيادة التوازنات في البلد المليء بالتناقضات الطائفية و المذهبية و الدينية و الأقطاب السياسية المتدخلة فيه , فالساحة اللبنانية الأمنية و السياسية لم تشهد أي إستقرار مثل الذي شهدته في عهد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري بعد التنازلات العديدة التي قام بها و من أبرزها التصويت على خصمه ميشال عون لإعتلاء كرسي الرئاسة في لبنان بعد جدال دام سنتين من دون إنتخاب رئيس في لبنان وهي من أصعب المراحل التي عاشتها الدولة , وهاهو الآن مُصمِّم الإستقرار اللبناني يستقيل و من أين ؟ من العاصمة السعودية الرياض , هل توجد إهانة للبنان أكثر من هذه ؟.
صحيح من يرى لقطة الإستقالة و خطاب الإستقالة سيوجه كل أصابعه لإتهام السعودية بممارسة الضغط عليه من أجل الإقدام على الإستقالة تحت أسباب تبدو مخيفة " الإغتيال ..... " لكن ما ذكره سعد الحريري في خطابه ليس بعيدا عن الواقع , فقد ذكر بوضوح أن التدخل الإيراني بالمنطقة أضحى مُخرِّباً و معادياً للسياسات اللبنانية و من أهم ما يتعارض مع الدولة اللبنانية هو قضية التدخل العسكري الذي يقوم به حزب الله اللبناني في شؤون سوريا سواءا اكان بمحاربة الإرهاب أم لحماية خط المقاومة المعروف , فهو عملية تتعارض كلياًّ مع سياسة الحياد التي تتخذها الدولة اللبنانية في المنطقة و من تدخل الحزب تظهر العديد من المشاكل الأمنية و السياسية الخارجية التي تتعرض لها لبنان من وقت لآخر .
و قد عاد الحريري و أكد هذا في حواره مع صحفية قناة حزبه قناة المستقبل في الرياض , حيث ردد كثيرا عباراة تدل على إنحيازه التام للجانب السعودي و إتباع الرواية السعودية بخصوص الأوضاع بالشرق الأوسط حرفياًّ , و هذا يُظهِر فعلاً أن هناك تدخلا سعودياًّ بالوكالة تماما مثلما تفعل إيران في المنطقة .
لتستمر الأحداث في التطور فتصل إلى التدويل بعدما أراد الرئيس اللبناني ميشال عون تسويق الحدث على أنه إختطاف و إحتجاز غير قانوني و يعارض الأعراف الدولية , أين قامت باريس بدور الوسيط لتستقبل الحريري و من ثم ينتظر المتتبعون أن تقوم بإرساله إلى لبنان , يأتي هذا في حدث جد مخجل و محرج للبنان و يضعه على المحك في القضايا السياسية الشائكة التي لم يستطع تقديم أي شيء فيها سوى الإكتفاء بالصمت , في ظل التناقضات التي يفرضها حزب الله اللبناني ذو الإيديولوجية الإيرانية و حزب المستقبل ذو الإيديولوجية السعودية .
هذا كله كان سياسيًّا فقط , لكن الأمر الذي يدق من أجله ناقوس الخطر هو الإجماع المفقود حاليا في لبنان و الذي كان نتيجة جهود و شخصية سعد الحريري بنفسها , الذي حرص هو بذاته دائما على تحقيق التوازنات داخل لبنان حتى عاد الوضع هناك إلى الوضع الطبيعي . و هذا مايفرض علينا توقع إنزلاقات أمنية و خلافات سياسية جديدة بين الطوائف و الفرق الدينية و السياسية التي لم تتفق سوى عن طريق الحريري الذي إستقال من السعودية و هاجم الطرف الأكبر في القضية " حزب الله " و إعتبره عدو للبنان , هذا ما قد يؤدي إلى مشاحنات تؤدي إلى حرب أهلية لا قدر الله .
0 Comentair:
Post a Comment