في مثل هذا اليوم " 5 جويلية " من سنة 1962 , خرج كل الشعب الجزائري عبر كل التراب الوطني محتفلاً بكل مايملك من طاقة جنونية بطرد المستدمر الفرنسي من بلاده الطاهرة و الإعلان عن قيام كيان الدولة الجزائرية المستقلة المحاربة للإستعمار و الإمبريالية , بعد صراع و مقاومة و حرب دامت 132 سنة كاملة منذ 5 جويلية 1830 إلى غاية 5 جويلية 1962 قدم فيها خيرت أبناء الجزائر دمائهم و أرواحهم و أموالهم و كل مايملكون من أجل الأرض الطاهرة , و ها قد مرت 56 سنة كاملة على إستقلال الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية , وعلى الشعب الجزائري الإعتزاز و الإفتخار بالمجد العظيم الذي حققه أجداده .
من جبالنا طلع صوت الأحرار هذا النشيد الذي يردده كل قلب جزائري مفعم بروح الحرية و الإنتصار لوطنه , و نابعٌ من أعماق تاريخه الضارب عبر العصور .
إنَّ أرض الجزائر أرضُ ثوار و رجال ٍ أحرار تتسم روحهم بشهامة الدفاع عن شرف و عرض أرضهم المقدسة , فمنذ قيام أول كيان على أرضنا " مملكة ماسيليا - ماسينيسا - و ماسيسيليا - سيفاكس - " كان أجدادانا الأمازيغ الأوائل بالمرصاد لكل من يتربص بخيراتنا بل فرضو معيار القوة الأمازيغية النوميدية تحت قيادة أول ملك أمازيغي وحد المملكة النوميدية الأمازيغية على أرض الجزائر " ماسينيسا " الذي أسس لمملكة تمتد من الحدود الشرقية الحالية مع تونس إلى غاية الحدود الغربية الحالية مع المغرب , و قد كانت هناك ممالك أخرى تأسست فيما بعد على أراضينا الجنوبية الكبرى " أمازيغ الصحراء و السهوب الكبرى " و كانت تمتد أراضي الممالك الجنوبية و الجنوبية الغربية " مملكة موريتانيا و مملكة نوميديا " .
و عرفت ممالكنا الأولى رجالاً أشداء أبرزهم حفيد الملك المؤسس يوغرطة " إبن ميسبسا إبن ماسينيسا " , هذا الرجل العظيم الذي دوخ الرومان و حاربهم في كل مكان من أراضينا النوميدية , و هو صاحب المقولة الشهيرة " روما للبيع لمن يشتريها " هذه المقولة قالها عندما كان يتلاعب بمجلس الشيوخ و يشتريهم الواحد تلوى الآخر للإستمرار في ضرب الرومان من دون معارضة , وفرضنا قوتنا على الأرض و إزاحة الوجود الروماني و البيزنطي جزئياًّ بعد حروب شديدة و مقاومة كبيرة من أجدادانا يوغرطة و يوبا و تاكفريناس و ديهيا و تينهينان " ملكة أمازيغ الجنوب " .
إلى أن جاء الفتح الإسلامي , و إمتزجت الأمازيغية بالعربية و الإسلام لتقدم أرضنا أحسن ماقدمت من رجال من أمثال " طارق ابن زياد " الذي فتح بلاد الأندلس وقدم أقوى الملاحم في التاريخ الإسلامي وهي التي تدرس الآن في كل البلاد الإسلامية كأقوى مثال للجهاد في سبيل الله .
ولا يتوقف مجد أرضنا هنا , فقد دخلت الجزائر عصرها الذهبي في خلال التواجد العثماني , أين كان الأسطول الجزائري قوة ضاربة في البحر الأبيض المتوسط و الآمر الناهي لكل الدول الاوروبية التي كانت تدفع مقابل المرور في البحر الأبيض المتوسط , و قد قاومت مدينة الجزائر و ردت الضربة ضربتين لكل من الولايات المتحدة الأمريكية التي اضطرت لتقديم إعتذارات لا تحصى كما و مالاً , و بريطانيا و فرنسا و السويد و إسبانيا و البرتغال و روسيا , كل هذه الدول فشلت في تحقيق أطماعها في الجزائر .
و منذ دخول الأقدام الفرنسية السوداء الملعونة في 30 جوان 1830 و إعلان إحتلال الجزائر يوم 5 جويلية 1830 , و الشعب الجزائري يهب مقاوماً رافضاً لسيطرة أجنبية على أرضه فكانت المقاومات الأولى تحاول إيقاف الإستدمار في مراحله الأولى " مقاومة سطاوالي و سيدي فرج " لوقف التمدد و ضمان بقاء الدولة , ولكن عدم توازن القوى و تشتت المقاومات جغرافياً و مد الجيش الفرنسي بإستمرار بجيش من الزواف الخونة أدى غلى فشل المقاومات الأولى .
الشعب الجزائري لم يكتف و أخذ ينظم مقاومات شعبية عبر كل ربوع الوطن , و من أبرز هذه المقاومات :
* مقاومة الأمير عبد القادر مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة و إمتدت من 1832 إلى 1847 وشملت الغرب الجزائري . * مقاومة أحمد باي من 1837 إلى 1848 وشملت منطقة قسنطينة . * مقاومة الزواوة من 1837 إلى 1845 وشملت منطقة القبائل المنخفضة " شرق مدينة الجزائر الثنية - بومرداس " .
* مقاومة الخليفة أحمد بن سالم في الأغواط من 1848 إلى 1849 . * مقاومة بومعزة و إمتدت من 1845 إلى 1847 بالشلف و الحضنة و التيطري . * مقاومة الزعاطشة من 1848 إلى 1849 ببسكرة و الأوراس . و من أهم قادتها بوزيان . * مقاومة الأغواط و تقرت من 1852 إلى 1854 تحت قيادة الشريف محمد بن عبد الله بن سليمان . * مقاومة القبائل من 1851 إلى 1857 بقيادة لالا فاطمة نسومر و الشريف بوبغلة الذي إنطلق من منطقة العذاورة .
* مقاومة أولاد سيدي الشيخ من 1864 إلى 1880 بواحة البيض و جبال عمور ومنطقة التيطري و سور الغزلان و العذاورة . * مقاومة الشيخ المقراني في كل من برج بوعريريج و مجانة و سطيف و تيزي وزو و ذراع الميزان و باتنة و سور الغزلان و العذاورة و الحضنة . * مقاومة جيجل و الشمال القسنطيني 1871 إلى 1872. * مقاومة الشيخ بوعمامة من 1881 إلى 1883 وشملت عين الصفرا و تيارت و سعيدة و عين صالح . * مقاومة التوارق من 1916 إلى 1919 بتاغيت و الهقار و جانت و ميزاب و ورقلة بقيادة الشيخ آمود . * مقاومة الحليمية بجبل مستاوة سنة 1914 إلى 1916 بقيادة عمر موسى بجبل مستاوة " الأوراس ".
* مقاومة الفرنسيين المرتزقة -السينيغال - بالأوراس . * مقاومة متيجة و منطقة القبائل 1832 إلى 1838 . * مقاومة محمد الكبلوتي بسوق أهراس سنة 1871 . * مقاومة بني شقران في القطاع الوهراني من 1912 إلى 1914 .
بعدها إنتقل الشعب الجزائري من الحراك المسلَّح إلى الحراك السياسي بعد أن فشل بالرغم من كل تلك المقاومات الكبرى , لكنها كانت متفرقة و غير متحدة , فتأسس حزب شمال إفريقيا و عدة أحزاب أخرى مناضلة , لكن بعد أحداث 8 ماي 1945 تيقن الشعب مرة أخرى أن الذي أخذ بالقوة لن يسترد إلاَّ بالقوة .
فإحتمع 22 من الشباب من كل التراب الوطني وهم " باجي مختار , عثمان بلوزداد , رمضان بن عبد المالك , مصطفى بن عودة , مصطفى بن بولعيد , العربي بن مهيدي , لخضر بن طوبال , رابح بيطاط , زوبير بوعجاج , سليمان بوعلي , بلحاج بوشعيب , محمد بوضياف , عبد الحفيظ بوصوف , ديدوش مراد , عبد السلام حبشي , عبد القادر العمودي , محمد مشاطي , سليمان ملاح , محمد مرزوقي , بوجمعة سويداني , زيغود يوسف ".
ليؤسسو لمخطط إندلاع الثورة الجزائرية بتأسيس اللجنة الثورية للوحدة والعمل و كانت هذه المرحلة تعد مرحلة صدع و شرخ في الحراك السياسي و قد قرر هؤلاء القادة العودة إلى النضال المسلح متماشياً مع النضال السياسي في الوقت ذاته .
ثم جاء إجتماع بولوغين في شهر أكتوبر 1954 في منزل بوقشورة بحي الرايس حميدو , بعد أن تم الإتصال بكريم بلقاسم و موافقته على الإنضمام إلى الجماعة للقيام بالثورة و حضر في هذا الإجتماع من يعرفون بمجموعة الستة و هم " محمد بوضياف و مصطفى بن بولعيد و العربي بن مهيدي و ديدوش مراد و رابح بيطاط و كريم بلقاسم " و قد تم الإتفاق على :
* تعيين بوضياف منسقا للثورة . * تقسيم التراب الجزائري إلى خمس مناطق و تعيين المسؤولين على هذه المناطق و هم :
- مصطفى بن بولعيد على المنطقة الأولى " الأوراس " وخليفته شيهاني البشير . - ديدوش مراد على المنطقة الثانية " شمال قسنطينة " ونائبه زيغود يوسف و بعده مختار باجي و بعده الأخضر بن طوبال . - كريم بلقاسم على المنطقة الثالثة " القبائل " ونائبه أوعمران آعمران .
- رابح بيطاط على المنطقة الرابعة " الجزائر وسط " ونائبه بوجمعة سويداني . - العربي بن مهيدي على المنطقة الخامسة " وهران " ونائبه عبد الحفيظ بوصوف .
وقد إندلعت أقوى ثورة في القرن العشرين يوم 1 نوفمبر 1954 من جبال الأوراس , لتشمل كل التراب الوطني دفعة واحد مما جعل الجيش الإستدماري في حيرة من أمره , وبعد 7 سنوات من القتال و الجهاد في سبيل الله و الوطن , تمكن جيش التحرير الوطني الذي هو الوجه المسلح لجبهة التحرير الوطني من إخضاع فرنسا للتفاوض بعد أن فشلت بتعاقب 5 حكومات على فرنسا , وفي عهد شارل ديغول الذي فشل في خداع الشعب الجزائري بمخططات الإدماج , تم التفاوض " إتفاقيات إيفيان " و قد تقرر أولا وقف إطلاق النار في 19 مارس 1962 ليكون غشارة واضحة على أن الإستقلال بات قريب . إلى أن تم الإتفاق على إجراء تقرير مصير الشعب و كانت النتيجة ساحقة لصالح الإستقلال , و تم الإعلان يوم 5 جويلية 1962 عن قيام الجمهورية الجزائرية المستقلة الديموقراطية الشعبية ذات النهج الإشتراكي .
و خرج كل الشعب الجزائري من كل بيت وعلى كامل التراب الوطني فرحاً بتحقيقه للإنتصار الكبير على القوة العسكرية الأولى آن ذاك , و بعد أن قدم عشرات ملايين لشهداء عبر 132 سنة من الكفاح ضد الإستدمار .
و قد توالى على حكم الجزائر " رئيس الحكومة المؤقتة "فرحات عباس و بن يوسف بن خدة و أول رئيس للجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية " بن بلة " و بومدين و رابح بيطاط و الشاذلي بن جديد و علي الكافي و محمد بوضياف و اليامين زروال و عبد العزيز بوتفليقة - الأطول حكماً +20 سنة - ".
عاشت الجزائر حرة مستقلة أبد الدهر , و عيدُ إستقلالٍ مجيد لكل الجزائريين في كل مكان .
0 Comentair:
Post a Comment