فرنسا تعترف بنظامها التعذيبي في الجزائر وتعتذر لعائلة اودان
فرنسا تعترف بتاريخها الأسود في الجزائر
إعتراف بممارسة التعذيب و إعتذار لعائلة المناضل الفرنسي ؟!
خرج الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بتصريحات تصدرت كل الصحف الفرنسية و الجزائرية وحتى بعض الصحف العالمية منها البريطانية و الأمريكية والصحف المهتمة بمواضيع حقوق الإنسان أين إعترف رسمياًّ بأنَّ الدولة الفرنسية قد إنتهجت أساليب تعذيب قاسية خلال حرب الجزائر و إعترف بأن الدولة الفرنسية كانت مسؤولة بشكل مباشر عن تعذيب و قتل موريس اودان بسبب نضاله لصالح إستقلال الجزائر , وقدَّم إعتذاراً رسمياًّ إلى أرملة موريس اودان السيدة جوزيت اودان عن ماتعرَّض له من تعذيب قاسٍ أدَّى إلى وفاته في السجن و أكَّد على مسؤولية الدَّولة الفرنسية في وفاته .
لمن لا يعرف موريس اودان هو شخصية سياسية و علمية فرنسية متخصص في الرياضيات يدرس بجامعة الجزائر مولود بباجة في تونس وناضل في الحزب الشيوعي من أجل إستقلال الجزائر وكان له صوت داعم للحركة التحررية كما ساهم في إيواء العديد من المناضلين في الحزب الشيوعي الجزائري , الأمر الذي أدَّى لشهرته هو نضاله لصالح تحرُّر الجزائر وهذا ماتسبب في قتله من قبل السلطات الفرنسية , وقد ,أصبحت قضيته ذكرى من أحداث الثورة التحريرية الكبرى حيث تعتبره الجزائر صديقاً للثورة و أطلقت إسمه على حي و ساحة مهمة بالعاصمة " ساحة اودان بالقرب من جامعة الجزائر " , بينما فرنسا ظلَّت تُكّذِّبُ قضية قتله إلى أن جاء الرئيس الفرنسي هولاند الذي لمَّح إلى أنه قد مات أثناء وجوده في السجن من دون تحديد الطريقة التي مات بها .
تقول الباحثة المؤرخة المتخصصة في حرب الجزائر " سيلفي تينو " بأنَّ موريس اودان تعرَّضَ إلى الإعتقال على يد المظليِّين الفرنسيين و أخذوه ليلاً إلى مركز فرنسي في الأبيار و تعرَّض هناك إلى الإستنطاق و التعذيب إلى أن مات من شدت التعذيب أو أنَّ أحداً من المظليين أمر بقتله .
وتؤكد الرواية السيدة جوزيت اودان أرملت المُغتال بأنه في " أحد الليالي كنا و أطفالنا نائمين إلى أن إقتحم جنود من المظليين المنزل و إقتادوه مباشرة و لم نره منذ ذلك الحين " , ويروي زميله في الحزب الشيوعي آنري لاغا الذي يقول بأنه تمكَّن من رؤيته قبل وفاته " رأيت وجه موريس شاحبا جدا وهو يعاني وقال لي بأن الأمور صعبة للغاية " , وقد كُتبت العديد من الروايات و المذكرات التي شهدت بأن موريس اودان تم قتله بعد التعذيب الشديد لكنَّ الدولة الفرنسية إلتزمت بروايتها التي تقول بأنَّ موريس اودان قد فر و هرب ولم يعد .
إستمرَّت فرنسا بالتشبث بروايتها إلى فاية مجيء فرانسوا هولاند إلى الحكم أين أبدى إعترافاً جزئياًّ بمسؤولية فرنسا في موته بقوله " موريس اودان مات وهو مُعتقل و الفرار كان كذبة " , لكن عائلة موريس لم تعتبر ولم تكتفي بهذا وطالبت بالإعتراف الرسمي وكشف الحقيقة أين قال إبن الضحية الذي لم يرَ والده قط بيير اودان :"لا يمكننا أن نحصل على التفاصيل ونستبعد أن نحصل عليها و نطالب الدولة بكشف الحقيقة".
وهاهي الآن تتحقق أماني عائلته بعد أن إعترف رسميا الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون بمسؤولية الدولة الفرنسية كاملةً في ممارسة التعذيب القاسي و قتل المناضل المساند لإستقلال الجزائر موريس اودان و قدم إعتذارا بإسم فرنسا لأرملة اودان , ولم يكتفي بهذا فقط بل أقرَّ بأنَّ الدولة الفرنسية كانت قد إنتهجت نظاماً مُمنهجاً للتعذيب خلال حرب الجزائر و أشار بقوله إلى وجود حالات عديدة أخرى مماثلة لحالة موريس اودان.
إنَّ هذا التصريح لن يمر على ماكرون مرور الكرام في فرنسا , فالإنتقادات تتهاطل من الجانبين الجانب الدولي أين ينظر الجميع إلى فرنسا الإستعمارية و الجانب المحلي الذي يحمل فيه جزءاً كبيراً من المحافظين الفرنسيين الذين لا يزالون يحملون حقداً كبيراً على الجزائر و يرفضون تقديم أي تنازل ولا أي إعتراف ولا شيء ولايزالون يعتبرون الجزائر جزءٌ من فرنسا , وفي نفس الوقت يُظهر المزيد من الجانب الأسود في التاريخ الفرنسي .
إنَّ فرنسا لا تزال تعاني من عقددتها التاريخية إتجاه الجزائر فتاريخها الإستعماري مليء بالجرائم الخرافية والتي قد لاتصدق من قطع الرؤوس و اللعب بالجماجم و التعذيب بكل أنواع الطرق التي يمكن أن تتخيلها والتي لا تأتي على بالك و هاهي صورتان تُظهِرُ نوعية الجرائم المرتكبة في الجزائر قبل حرب التحرير الكبرى فما بالك أثنائها .
فرنسا لم تكتفي ولم تشبع بأي نوع من الأساليب التعذيبية حتى أنها أقامت مدرسة خاصة لتعليم فنون و أساليب التعذيب القاسية في الجزائرمنذ قدومها ولم يسبق لتعذيبها مثيل ولم تترك طريقة إلاَّ ونفذَّتها ولم تحمل يوماً نيَّةً حسنةً إتجاه الجزائر قبل إحتلالها و بعد إستقلالها , فمن المستحيل إطلاقاً أن نُصدِّق أنَّ فرنسا تسعى لتصحيح ماضيها الإجرامي الكبير و تجاوز عقدتها التاريخية بحسن نية , و لن نتقبل موضوع ن فرنسا الحالية تتَّسِمُ بالإنسانية و الأخلاق الملائكية , فرنسا هي فرنسا و لن تتغير إطلاقاً ستبقى فرنسا فقط قد تتعدد أساليبها و مناهجها .
أنظرو لطبيعة الإعتراف الذي أدلى به ايمانويل ماكرون لمن إعترف ؟ هل إعترف للشعب الجزائري ؟ بالطبع لا إعترف لشعب فرنسا بأن الدولة الفرنسية قد مارست التعذيب ضد المناضل موريس اودان و أمثاله خلال فترة حرب الجزائر و أضاف بأنَّ فرنسا إنتهجت نظاماً تعذيبياًّ ممنهجاً في حرب الجزائر , لم يجرؤ حتى على إعتراف بسيط بالجرائم الكبرى إتجاه الجزائريين بلغة واضحة , وهل إعتذر للشعب الجزائري ؟؟ طبعا لا و هذا من المستحيل و من المستبعد حصوله أصلاً , فهو إعترف فقط لعائلة موريس اودان لأنها عائلة فرنسية و الدولة لديها مسؤوليتها إتجاه المواطنين الفرنسيين هذا وفقط من دون أي إضافة أخرى .
صحيح أنَّ مجرد الإعتراف بمثل هذه المواضيع يمثل شاهدا كبيرا على مافعلته فرنسا في الجزائر إلاَّ أنَّ قيمة ماقاله وماإعترف به لا تساوي شيئاً إطلاقاً أمام 132 سنة من إجرام الدولة الفرنسية المُحتلَّة في حق الشعب الجزائري إننا نُصرُّ على ذكر " إجرام دولة " لأنَّ هناك من يريد أن يُبرِّرَ الجرائم الفرنسية في الجزائر تحت أسماء الجنرالات و بعض الشخصيات التي تعترف في مذكراتها يوما بعد يوم بأنها هي من قتلت و هي من عذبت لكن الأصح الذي لم يذكر هي أن هذا كله كان أمراً من الدولة وليس تصرفات فردية من الجيش الفرنسي.
من ناحية توقيت هذا التصريح قد يكون لتحليل سببه عدة إحتمالات أوله هو دعم عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة بطريقة غير مباشرة فتقديم مثل هكذا تنازل ولو كان لاشيء ولا قيمة له فهو يقف و يحسب في جانب النظام القائم , لكن يبدو أن هذا الإحتمال ضعيف ويجب أن نتعمَّق أكثر , لو نرى القضية من جانب إجتماعي فرنسي فهو قد يدعم أكثر شعبية الرئيس الفرنسي ماكرون في فرنسا و يُرضي منظمات حقوق الإنسان هناك و يدعم ايضا شعبيته في الجزائر , و عندما ننظر للقضية بنظرة إقتصادية و إستراتيجية فإنَّ هذه الخطوة من التنازل الكبير " في نظرهم " قد تعمل فرنسا على أن تقايضها بتنازلات إقتصادية في الجزائر أكبر بكثير فهذا لاحظناه في كل مرة يزور فيها رئيس فرنسي الجزائر يعمل دائما على وتر " طي صفحة الماضي " لكي يمهد الطريق لمصالحه الإقتصادية في الجزائر مثلما حدث مع ساركوزي و هولاند وغير ممَّن سبقوه وكل زيارة تقريباً تأتي بتنازل تاريخي صغير جداً ولم يرقى لدرجة الإعتراف الكامل لحد الآن , فطبيعة التنازل السياسي تؤثر في القوة التفاوضية الإقتصادية . و الأخطر من ذلك قد تبحث فرنسا عن تنازل تاريخي أيضا من الجزائر وهو القبول بإرجاع ممتلكات الاقدام السوداء الذين طالما طالبو ماكان ملكهم , بطبيعة الحال هم لم يمتلكو شيئا بل إغتصبو كل شيء المالك الحقيقي هو الشعب الجزائري , وقد تبحث فرنسا عن تنازل فيما يخص الحركى و هو الأخطر من كل الإحتمالات , لأن فرنسا لا تتنازل إلاَّ إذا سعت إلى ماهو أغلى . و إذا حدث و إعتذرت يوما ما قد تعمل مقابل ذلك على محو المقررات الدراسية التاريخية في المدرسة الجزائرية لمحو كره فرنسا وهذا بالتأكيد لن تتمكن منه لأن كره فرنسا باقي ولن يزول .
إنَّ الدولة الفرنسية الحالية و القديمة تعي جيِّداً خطورة الإعتراف الكامل بجرائمها في الجزائر منذ أن وضع الجنود الفرنسيون أقدامهم فهو يؤدي بها مباشرة نحو ضرورة و إجبارية تقديم الإعتذار الرسمي الكامل و الإعتذار ليس بالكلام و التصريحات و الرسائل , بل بالتعويض الكامل لكل ماتسببت به فرنسا في الجزائر من اليوم الأول من الإستعمار إلى آخر يوم وهذا لن تقدر عليه لا الخزينة الفرنسية ولا البنوك الفرنسية مجتمعةً الخاصة منها والعمومية ولا خزينة الإتحاد الاوروبي , والمشكلة ايضا كيف يمكن تقييم الخسائر أصلاً ؟ فعندما قدمت إيطاليا إعتذارها لليبيا في زمن القذافي كانت إيطاليا قد إحتلَّت ليبيا 30 سنة , أما 132 سنة من الإستعمار و أضف لها قرابة 60 سنة بعد الإستقلال , كيف يمكن إذا تعويض مافعلته فرنسا في الجزائر منذ 1830 ؟؟ يمكنها فعل ذلك في حالة واحدة فقط وهي أن تفرض فرنسا المبلغ و الطريقة التعويضية التي تريد أو التي تساعدها أكثر أو التي تؤتي بأرباح إستراتيجية كبرى .
إنَّ الملايين المُمَليَنَة من الشهداء و المفقودين و المنفيين و المعطوبين أثناء تواجد الإحتلال الفرنسي في الجزائر منذ 30 جوان 1830 لم تقدم أرواحها و شبابها و أجسامها لكي تنتظر اليوم إعترافاً من فرنسا ولا إعتذاراً منها , كل مافعله العظماء كان من أجل إستقلال وسيادة الجزائر و ترك رايتها شامخةً رغم أنف الحاقدين للأسف الشديد فهناك العديد من الاغبياء و السُّذج و المخنثين ممن ينتظرون ويطالبون فرنسا بالإعتراف و الإعتذار و يفرحون بقدوم ماكرون ويقبلون أيديه ويتهافتون على فرنسا و يتعاملون معها ويشترون منها ويبيعون لها وكأنه لم يحدث أي شيء , لا ننسى ماقاله الزعيم الراحل هواري بومدين " إنَّ بيننا و بين فرنسا جبالٌ من جماجم الشهداء " , يجب أن لا يغترَّ أحد بما تقوله فرنسا فهي لا تتغير نفس ماقالته اليوم قالته عندما كانت تُعذِّبُ و تقتل , ولا ننسى أن تاريخ فرنسا مليء بالغدر والخيانة فحتى قبل الإحتلال كانت الجزائر قد ساعدت فرنسا في ثورتها و ساعدتها في أزماتها العظمة " مجاعة فرنسا " و كانت تمونها بالقمح و الشعير و العديد من الأساسيات ليعيش شعبها و وقفت معها خلال حروبها في اوروبا , لكن الجزاء كان ضربة في الظهر.
شاهد إعتراف ايمانويل ماكرون بتعذيب و قتل موريس اودان
0 Comentair:
Post a Comment