محمد بن سلمان في الجزائر | زيارة سياسية بحسابات إقتصادية
الجزائر تستقبل ولي عهد المملكة العربية السعودية
تأكيداً على الإلتزام بمبادىء الدبلوماسية الجزائرية
إستقبلت الجزائر ولي العهد السعودي مساء أمس في المطار الدولي هواري بومدين بحفاوة كبيرة , حيث كان هناك وفدٌ وزاري هام من الجانبين ترأسهما من الجانب الجزائري الوزير الأول أحمد أويحيى و من الجانب السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان , و لقد شهد الإستقبال عدة مراسيم تتعلق بالتقاليد الدبلوماسية الجزائرية في إستقبال الرؤساء و الملوك و الأمراء الزائرين للجزائر, و أهم ماجاء في البيان الختامي المشترك هو إنشاء مجلس أعلى للتنسيق الجزائري السعودي برآسة الأمير ولي العهد محمد بن سلمان من الجانب السعودي و الوزير الأول أحمد أويحيى من الجانب الجزائري من أجل تعزيز التعاون في المجالات السياسية و الأمنية و مكافحة الإرهاب و المجالات الإستثمارية الإقتصادية و التجارية و الطاقوية و الثقافية التعليمية بين البلدين , كما تم توقيع عشرة إتفاقيات إستثمارية مهمة ,و إنشاء خمسة مشاريع سعودية في الجزائر .
وجاء هذا الحدث تحت تسليط إعلامي كبير بسبب الحصار السياسي الدولي غير المُعلَن على المملكة العربية السعودية و بالتحديد الأضواء الحمراء المسلطة على ولي العهد محمد بن سلمان بسبب إعتقادات بضلوعه في جريمة قتل الصحفي السعودي الخاشقجي والتي لا تزال تثير الكثير من القلاقل في وسائل الإعلام والتي كما يبدو تؤثِّر أيضاً في الشعوب البسيطة .
ولا ننسى أيضاً أنَّ ولي العهد محمد بن سلمان قد تمَّ رفضه من قبل ملك المغرب بسبب التصويت لصالح الملف الأمريكي لنيل شرف تنظيم نهائيات كأس العالم 2026 , بينما تمَّ رفضه شعبياً في تونس بسبب ماسُمّي بقضية الخاشقجي و أطفال اليمن و حتى الزيارة لم تدم أكثر من بضع ساعات ليلاً , وبإستثناء زيارته السريعة إلى تونس و موريتانيا تمَّ تجاهله إعلامياً و رسمياًّ في لقاء قمة دول العشرين و هذا كان واضح جداً بحيث رفض الكثير من رؤساء العالم مصافحته أو لقائه حتَّى .
فيما لا تزال المنظمات الحقوقية غير الحكومية و الحكومات الاُوروبية و التركية و الأمريكية تعمل على ملف الخاشقجي و الملف اليمني في أكثر من مرة لجلب المزيد من الصفقات السياسية و الإقتصادية , و لعَّل إستقبال الجزائر لولي العهد السعودي سيحل هذا الحصار غير المُعلَن بإعتبار أنَّ للجزائر ثقل دبلوماسي سياسي إقليمي و كذلك لا ننسى مبادىء الدبلوماسية الجزائرية القاضية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول مهما كان الأمر و هو مايتعلق بقضية الخاشقجي التي تراها الجزائر قضية داخلية تخص السعودية لوحدها و لا يحق لأحد التدخل فيها .
أمَّا الأمر الأساسي الذي يجعل قادة المملكة العربية السعودية يثقون في الجزائر هو السياسة الثابتة التي تنتهجها الجزائر خارجياً , فهي دائماً ماتقف على مسافة واحدة بين الجميع و تسعى لإقامة علاقات جيِّدة مع الجميع " ماعدى الكيان الصهيوني " , ثباتها في سياستها الخارجية هو مايجعل السعودية تثق في توطيد العلاقات مع الجزائر و الحفاظ عليها , و هذا بالتأكيد لا يعني أنَّ الجزائر حليف للسعودية أو تتخندق إلى جانبها , مثلما تفعل الكثير من الدول خصوصاً الخليجية منها فهناك من يتخندق في صف العلمانية المتشددة مثل تركيا " الرسمية " و تونس و لبنان و غيرها , و منها من يتخندق في صف الإخوانجية مثل " قطر و تركيا " الأردوغانية " , و منها من يقف في خندق "المعادي للإخوانجية" مثل السعودية و الإمارات و غيرهما , و هناك أيضاً من يقف لجانب الشيعة تحت مسميات مختلفة منها " محور المقاومة " و على رأسهم إيران و العراق و سوريا و حزب الله في لبنان .
كل هذه التكتلات و الإنقسامات ترفضها الجزائر جملةً و تفصيلاً و تدعو دائماً في كل المنابر إلى غصلاح ذات البين و إعادة تفعيل دور الجامعة العربية و إصلاح منظومتها و التداول على رئاستها و إرفاقها بالعديد من الآليات التنفيذية ليكون القرار موحداً و مؤثرا .
أمَّا من الجانب الآخر فالجزائر ردَّت بطريقتها على حاملي قضية الخاشقجي و الداعين لرفض إستقبال ممثل الدولة السعودية تحت هذه الحجة و غيرها , فمنذ متى يُرفض ممثل دولة شقيقة لهكذا أسباب , أين كان هؤلاء لماَّ تاتي المستشارة الألمانية ميركل اليس لها جيوش مشاركين في سوريا و العراق , و الرئيس الفرنسي الذي شاركت جيوشه في قتل الملايين في إفريقيا و لا داعي لذكر المزيد .
إنَّ ما تأكد اليوم من الموقف الجزائري الواضح و الثابت أنَّ السياسة الخارجية و العلاقات الدولية لا تُسيَّرُ من منطق العاطفة , ولا يمكن لأحداث مُضخَّمة لأغراض سياسية و إقتصادية أن تؤثِّر على مسار السياسة الجزائرية الثابتة , الكثير كان يظن أنَّ إبتعاد الجزائر بسياسة النأي عن النفس في كل مايحدث في الشرق الأوسط و شرق أوروبا و في ليبيا بأنَّهُ إنعزال , لكن في الحقيقة هو مكسب لقوة الدبلوماسية الجزائرية , فعندما تتغير الأوضاع و الأحداث تذهب كل تلك السياسات هباءاً منثوراً , بينما تبقى الجزائر التي لم يسبق و أن تدخلت في الشؤون الداخلية للدول منارة أو قطباً سياسياًّ بإمتياز , و الكثير ينظر لها على أنها ولة محورية إقليمية بالرغم من المشاكل الإقتصادية الكثيرة .
أماًّ من الناحية الإقتصادية فقد تمَّ توقيع إنشاء 5 مشاريع سعودية بالجزائر و إمضاء إتفاق شراكة بعشر إتفاقيات إستثمارية , تستفيد من خلالها الجزائر من الرأس المال السعودي كما تستفيد السعودية من الخبرات و الإقتصادية و الأمنية الجزائرية , و سيكون هناك تعاون و تنسيق بين البلدين وفق مايمليه المجلس الأعلى للتنسيق الجزائري السعودي , من أجل السهر على إتمام مخرجات هذا اللقاء رفيع المستوى .
0 Comentair:
Post a Comment