970x90 شفرة ادسنس

مسؤولية تاريخية للجيش الوطني الشعبي في خضم الحراك الشعبي الجزائري


مسؤولية تاريخية للجيش الوطني الشعبي

إسترجاع السيادة من قبضة العصابة الفرنسية


يحمل اليوم الجيش الوطني الشعبي مسؤوليةً تاريخية إتجاه الدولة الجزائرية و الشعب الجزائري تُعتبر الأثقل منذ التسعينات أين كانت الأسلاك الأمنية تواجه مع الشعب أكثر من 50 ألف إرهابي مُسلَّح و مدعوم من عدَّة عواصم في الجبال و السهول و الوديان و القرى و المداشر و المدن الكبرى , آن ذاك كان قد واجه الشعب التكفيريين و كانت الحصيلة كبيرة جداً فاقت بحسب عدد من الإحصائيات المحلية و الدولية الـ 140 ألف شهيد و كانت أغلبيتهم الساحقة من المدنيين , و في ذلك الزمن كان بعض المشارقة من تيَّارات متطرفة مختلفة يدعون للجهاد في الجزائر وهم لحد الآن بالرغم من أنَّ الجزائر تعيش أزهى أيام السلام و الأمن لا يزالون يوجهون تهم قتل الشعب للجيش الوطني الشعبي , و كأنَّ هؤلاء الإرهابيين هم مدافعون عن الخير و يزرعون الورد و الياسمين في الجبال .

هذه النظرة السلبية الآتية من المشرق و بقيادة قناة " الجزيرة " و مشتقاتها التابعين لتيارات و إيديولوجيات مختلفة كانت تعتمد دائماً على أوَّل من بدأ وهو الجيش الجزائري في ذلك الوقت بقيادة ضابط من ضباط فرنسا خالد نزار عندما أوقف المسار الإنتخابي بسبب التخوف من فوز حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ بقيادة عباسي مدني و علي بلحاج , و يمكن لبعض المنواشات التي أخطأ فيها الجيش الجزائري في التعسينات عندما فُرِضت حالة الطوارىء و أُنزِلَ الجنود و المدرعات في الشوارع و هذا أكبر خطأ إرتكبه الجيش الجزائري قديماً , لكن فيما بعد بدأت التفجيرات و بدأت الجماعات المسلحة بالتشكُّل الواحدة تلوى الآخر بدعم من عواصم أجنبية و بدعم من المتخاذلين و لأنها وجدت البيئة الشعبية الكارهة للسلطة في الأعوام الأولى من العشرية السوداء كان للجماعات الإرهابية وقعٌٌ كبير , و بتغذية عاطفية دينية قوية من قبل دور الإفتاء في المشرق العربي ضد كل موظف في الدولة " القطاع العام " مهما كان حتى الإعلام .

لكن الشعب الجزائري بدأ يتفطَّن للخدعة فيما كان يظن سابقاً أنَّ هذه الجبهة هي صاحبة الحق لأنها تدافع عن الحق " حسبهم " لكن بعدما رأى الخديعة و لاحظ كيف أنَّ الشعب هو الوحيد من يدفع الثمن رفقة جيشه و رأى جيداً أنَّ الإرهابيين آتين من كل حدبٍ وصوب , و خصوصاً تعامل الإرهابيين مع الشعب و الفقراء الذي كان مهيناً لدرجة كبيرة لاتطاق , حينها تأكَّد الشعب أنه وقع في الفخ و الخديعة وتيقَّن أنَّ كل هذا ماهو إلاَّ صراع على السلطة و هو الوحيد الذي يدفع الثمن , و بدأت المسيرات الشعبية سنة 1997 المناهضة للجماعات الإرهابية .

حينها زاد وقع الهجمات الإرهابية أضعاف مضاعفة و هذه المرة تركَّزت ضد التجمعات السكانية و القرى و المداشر و الأحياء بدل ما كانت تركز على القواعد العسكرية و مراكز التفتيش و مقرات الأمن , و ذلك بعد صدور موجة فتاوى جديدة تُكفِّر هذه المرة " الشعب الجزائري بأكمله " بصفته رافضاً لإقامة الدولة الإسلامية " حسبهم " وحينها كانت أخبار " الذبح "و " القتل "و " السلخ" شيء عادي يتكرر يومياً وكل مايخطر في بالك من أنواع القتل كان يمارس في ذلك الوقت , إلى أن جاء الفرج بفضل تضحيات رجال الأمن و الشعب معاً جنباً إلى جنب , أين كانت الكثير من الدول تعرض المساعدات المُذِلَّة مقابل التخلي عن الثوابت الجزائرية و هذا مالم يحصل .

كل هذه الوقائع لا يراها الكثيرون بل فقط يعتمدون على الجزء الأوَّل من القصة و هو " قطع المسار الإنتخابي و تدخل الجيش في السياسة " صحيح أنه عامل كان له أثر كبير وسبب رئيسي في الأزمة بالرَّغم من أنه ليس العامل الوحيد , و سلسلة القنوات الخليجية و المشرقية بشكل عام ممن يتبعون التيارات الخارجية المختلفة يرون دائماً أنَّ الجيش الجزائري مُكوَّن من جنرالات الدم كما يتفنون في تسمية ذلك في البلاطوهات و الأستديوهات و الكتب و الروايات ..... إلخ .

منذ تلك السنوات غاب الجيش الوطني الشعبي عن السياسة بشكل كامل ولم يعد له أي ظهور بسبب قوة و نفوذ مؤسسة الرئاسة , و تفرَّغ الجيش الوطني الشعبي خلال كل هذه المدة إلى بناء قوته ليرتفع ترتيبه من المراكز المتدنية إلى أن يصبح ثاني أقوى جيش في إفريقيا و الاقوى في منطقة الساحل و المغرب الكبير , و أصبحت الديبلوماسية الجزائرية تعتمد كثيراً على هذه النقطة لتسيير ملفات الساحل مع الشركاء الأوروبيين و الأمريكيين و غيرهم تحت عنوان " الأمن و السلام و محاربة الإرهاب " .

اليوم و في هذه الظروف الحالكة على المستوى السياسي التي تعيشه الجزائر في حالة شبه إستثنائية لم تجربها من قبل حيث إنتفض الجزائرييون عبر كل الولايات سلمياً و بكل حضارية ضد العُصبة الحاكمة , ولكن هذه المرَّة بدل أن يقف الجيش الوطني الشعبي إلى جانب السلطة كما حدث في التسعينات من القرن الماضي , أثبت تخندقه مع الشعب و وقوفه إلى جانب الشعب , و قدم مقترحاته الدستورية لحل الأزمة قبل الوقوع في فخ الفراغ الدستوري و ضغط بعد المماطلة على العُصبة الحاكمة التي أسماها بإسمها لينتهي عهد بوتفليقة الذي عمَّر على رأس الدولة لعشرين سنة .

هذه الهبَّة التي قام بها الجيش إلى جانب الشعب الذي حرره من قيود الإلتزام بأوامر الرئاسة المُغتصبة من قبل عصابة فاسدة , أعادت إلى أذهان الكثيرين سيناريوهات بداية التسعينات عندما تدخَّل الجيش في السياسة والتي كان سببها التسويق المشرقي للقضية الجزائرية إعلامياً , و كذلك أعادها الكثيرون و تكاد تكون الأغلبية للسيناريو المصري أين إستولى عبد الفتاح السيسي على الحكم بعد إستغلاله للعاطفة الشعبية و الهبَّة التي كانت ضد الرئيس السابق مرسي , و يقارنون قائد أركان الجيش " قايد صالح " بالسيسي .

الحقيقة في هذه الناحية أنَّ هذه المقارنة التي تُرسخها القنوات المشرقية بشكل عام خاطئة و غير معقولة لأنها تعزل كل العوامل و المتغيرات عن المقارنتين " بين التسعينات و اليوم " " وبين مصر و الجزائر " , فالمقارنة بين جيش التسعينات الذي لم يكن مجهزاً و مدرباً بالشكل الكافي و لم يكن ذا تكوين قوي مثل اليوم , اليوم الجيش يتكون من أبناء الشعب الذين تكوَّنو في المدارس و الجامعات الجزائرية و هم من وصلو للمناصب العليا في الجيش الوطني الشعبي , أي أغلب تكوين الجيش من ضباط سامين و رفيعي المستوى هم ذو تكوين عسكري أكاديمي وطني و لا همَّ لهم بالسياسة , فالإستراتيجية العامَّة للجيش الوطني الشعبي التي تمَّ تسطيرها في السنوات الأولى من القرن الحالي تتمثل في تطوير الجيش عُدَّةً و عتاداً .

بينما جيش التسعينات كان أغلبه مكوناً من المجاهدين المشاركين في الثورة التحريرية الكبرى و بعض الأكاديميين و بعض الضباط الذي أتى بهم بومدين من فرنسا , فميولهم من طبيعة تكوينهم كانت سياسية أكثر منها تقنية و أكاديمية , وبالتالي كان لهم دور كبير في المجال السياسي في جدال " أولوية السياسي على العسكري التي كانت في وقت الثورة " .

أما في المقارنة الثانية " بين الحراك المصري و الحراك الجزائري " فهو لغط كبير جداً و أيضاً يرتكز على عزل للكثير من العوامل , فعندما تراقب سلوك قايد صالح و سلوك السيسي خلال الحراك الشعبي ستكون بالتأكيد النتيجة تقول أنَّ الجزائر تذهب في طريق السيناريو المصري , لكن عندما تضيف العوامل الأخرى التي كانت محيطة بالحراك المصري و الحراك الجزائري و حتى الجيش المصري و الجيش الجزائري و طبيعة الحكم في مصر و طبيعة الحكم في الجزائر فستصل لنتيجة مختلفة تماماً .

طبيعة الحكم في مصر كانت ولا تزال ترتكز على الجهاز العسكري فهو يقوم بكل شيء حتى الصناعات الغذائية و بعض الصناعات غير العسكرية الأخرى , يشارك الجيش المصري في الحياة المدنية و الرياضية و السياسية بشكل كبير جداً جداً , أما طبيعة الحكم في الجزائر فهي لحد ما قبل إستقالة بوتفليقة غامضة و غامضة جداً لأنَّ دوائر القرار لا تتمركز في يد واحدة , بل تعتمد على الأجنحة و النفوذ , فهناك ماكان يعرف بجهاز المخابرات الذي كان يؤثر بقوة على صناعة القرار في زمن الجنرال التوفيق قبل إقالته , و الجناح العسكري الذي كان و لا زال محايداً إلى حد ما , و جناح الرئاسة الذي يقوده المقربون من بوتفليقة , و جناح المال و الأعمال الذي يعتبر الواجهة الإقتصادية للسياسيين في الجزائر وهم من شكلو طبقة الاوليغارشية و لهم تأثير كبير في صناعة القرار .

أمَّا من جانب الخط السياسي فهو مختلف إختلافاً تاماً بين مصر و الجزائر , فكما يعلم الجميع مصر الآن بقيادة السيسي تتبع خط السعودية و الإمارات العربية المتحدة في كل مايقررون كما لها علاقات قوية مع الكيان الصهيوني بشكل ظاهر للعلن ومباشر , أمَّا الجزائر فلها خطها الثابت منذ الإستقلال المتعلق بعدم التفاوض مع الإرهابيين و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و إحترام سيادتها و الحياد الإيجابي في جل مواقفها و دائما ما كانت مواقف الجزائر مُستقلة عن أغلبية الدول العربية  تقريباً .

ومن جانب الحراك الشعبي الجزائري و المصري , فعلينا أن نتذكر أنَّ الحراك المصري حركته بقوة إيديولوجية الإخوان المسلمين بقيادة حزب الإخوان و المرشد الأعلى هناك , و ما أفرزه الحراك هو رئيس من جماعة الإخوان المسلمين " التي تستعمل الدين كغطاء لممارسة السياسة و تُقحم الدين في كل شيء " , وهو مايشبه حالة حراك الجزائر في سنوات غابرة من القرن الماضي منذ 1985 تقريباً أين كانت ترحك الشارع جماعة الجبهة الإسلامية للإنقاذ " الفيس " بقيادة عباسي مدني و علي بلحاج , وهي الأخرى كانت تستعمل الدين كغطاء لممارساتها السياسية و حتى الإنقلاب الذي حصل في مصر بصورة بيضاء تقريباً هو نفسه بنسخة أكثر خشونة و دمويةً في السيناريو الجزائري في التسعينات .

أمَّا المقارنة الحالية بين الحراك المصري و الحراك الجزائري السلمي فهي لا أساس لها من الصحة بسبب أنَّ الجزائريين قامو من دون عاطفة لأحزاب دينية أو لإيديولوجيات أخرى , بل على العكس ولا حزب أو مجتمع مدني أو جهة سياسية ما لها تأثير على الشارع في الجزائر أصلاً , وهو عكس ماكان في مصر.

والمقارنة بين السيسي و قايد صالح سلوكياً هي الأخرى غير متطابقة و منقوصة من جوانب أخرى , فالقايد صالح قائد الجيش الجزائري كبير في السن " 80 سنة" فمن شبه المستحيلات أن يكون له طموح رئاسي و أن يغير اللعبة مثل ماقام به الرئيس المصري السيسي , و كذلك لا ننسى أنَّ القايد صالح هو من قدماء جيش التحرير الوطني الذي إنضمَّ إليه وهو في السابع عشر من العمر في سنة 1957 و عاصر حرب التحرير و حرب الرمال و حرب أكتوبر و العشرية السوداء , و هذا مايجعله مختلفاً عن السيسي .

إنَّ التجارب التي مرَّ بها الجيش و الشعب الجزائريان هي من لقَّحته لتجاوز المراحل الصعبة , فالجزائر دائماً ماكانت السبَّاقة في المشهد العربي , فقد كانت أول دولة عربية يتم إحتلالها وفور ذلك بدأت بقية الدول بالسقوط , و هي صاحبة أكبر رصيد للمقاومة ضد المستعمر بين كل الدول العربية , وخاضت في ميلادها كجمهورية ديموقراطية شعبية أول حرب و هي في المهد ضد التغول المغربي في 1963 , و مرَّت على إنقلابات ومناوشات داخلية متعددة , كان ابرزها بين زعماء الثورة غداة الإستقلال و العشرية السوداء , كما كانت مُساهمة في حرب أكتوبر 1973 ضد الكيان الصهيوني , ولعل تجربة سنين الجمر هي من تُكسِب الجزائر هذه الخبرة في مواجهة جذور الإرهاب و في مواجهة مختلف الأزمات و منع الأمور من الإنزلاق و الإنفلات .

ولعل هذا الحراك الشعبي و هذه الإحترافية في التعامل من قبل كافة أسلاك الأمن و الإنحياز التام للجيش الوطني الشعبي وفق الأُطُر الدستورية " عكس السيناريو المصري " هي من تجعل الجيش الوطني الشعبي قدوة لجيوش العالم الثالث , و هي من تجعل الحراك الشعبي السلمي قدوة للعالم أجمع .

تبقى الآن مسؤولية تاريخية كبرى مُلقاة على عاتق الجيش الوطني الشعبي لمواصلة المسيرة و إنهاء العُصبة الحاكمة بمشتقاتها و مرافقة الشعب لإستعادة سلطته بكل سلاسة و في كنف الأمن والسلام , بدون اي تدخل في الحياة السياسية و في الأُطر الدستورية , وبذلك يمحي الصورة النمطية التي بنتها الأذرع الإعلامية المشرقية و الغربية عن الجيش الجزائري , كما محاها الشعب الجزائري الذي كانو يظنوه همجياً ذات يوم .

شاهد تحليلاً معمقاً عن دور الجيش الجزائري في الحراك الشعبي 



أترك لنا تعليقك حول الموضوع من هنا

أحصل على كل جديد مباشرة من موقعنا بالضغط على " متابعة "


إشترك في قناتنا على اليوتوب من هنا 



  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

1 Comentair:

  1. شكرا على كل المجهودات التي تبذلونها من اجل تنويرنا ورفع الصورة القاتمةوالتي كان يصنعها عدات الجزائر من اجل تشوية صورة الجيش الشعبي الوطني والذي هو سليل جيش التحرير أتمنى لكم الاستمرا وسدد الله خطاكم مادمتم للحق مناصرين

    ReplyDelete

Item Reviewed: مسؤولية تاريخية للجيش الوطني الشعبي في خضم الحراك الشعبي الجزائري Rating: 5 Reviewed By: AyoubVision
Scroll to Top
google-site-verification: googleeb9bb8d83dc3c4d3.html