الأذرع الإعلامية للسلطة تناور بالعصف الذهني لإرباك الشعب
الأذرع الإعلامية للسلطة تناور بالعصف الذهني لإرباك الشعب
الجزائريون على صفيح إعلامي ساخن
شهد الجزائرييون في اليومين الأخيرين منذ خروج وزارة الدفاع الوطني بإعلان بثه التلفزيون العمومي أين بيَّن فيه إجتماعاً طارئاً لقيادة أركان الجيش الوطني الشعبي برئاسة نائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح و الذي تبنى فيه مطالب الشعب "وهي القاضية بتفعيل المادة 7 و المادة 8 و المادة 102 " و الذي وجَّه فيه تهديداً شديد اللَّهجة لمجموعة قامت بإجتماع في صباح ذلك اليوم بغية شن حملة إعلامية شديدة على الجيش الوطني الشعبي , هذه الكلمات و اللَّقطات فجَّرت الإعلام الجزائري الذي أصبح يقوم بالعصف الذهني للشعب عن طريق نشر كمية هائلة من الأنباء و الأنباء العاجلة و الأنباء المغلوطة من كل مصدر و كل قناة و إستعمال أدوات الإثارة , إلى أن تسببت قناة الشروق في خروج المواطنين إلى الشوارع بعد نشرها لأنباء كاذبة تفيد بإنتشار كثيف لقوات الدرك الوطني في شوارع العاصمة .
فماهو العصف الذهني ؟؟ و كيف تمارسه الأذرع الإعلامية لأجنحة السلطة لإرباك الشعب وتوجيهه ؟؟ و هل كل ماتمَّ عرضه على الإعلام الجزائري هذه الأيام صحيح أم خاطىء ؟؟ , سنتطرق لهذه النقاط في هذا التحليل الموسع لما حدث في اليومين الأخيرين .
يُعرفُ العصف الذهني على أنَّه من أهم الطرق لإتخاذ القرار في المؤسسة وهو أحد أساليب الإبداع الجماعي في إيجاد حل للمشكلة عن طريق تجميع الأفكار و الحلول التي يساهم بها الفرد عفويةً , وتتم عن طريق جعل كل فرد يضع كل مالديه من أفكار بدون نقد و بدون إعتراض , وكل فرد في المجموعة يعطي كمية كبيرة جداً من الأفكار و تتجمع كل أفكار المجموعة لتبدا فيما بعد عملية التحليل لإختيار الحل الأنسب و تعتمد أساساً على :
1- التركيز على الكم : عن طريق توليد عدد كبير جداً من الأفكار . 2- حجب النقد : في عصف الذهن يجب حجب النقد لكي يترك المساحة الكافية لأكبر عدد من الأفكار . 3- الترحيب بالأفكار غير الإعتيادية : وذلك بفتح المجال لتوليد الأفكار . 4- خلط و تطوير الأفكار : أي بمحاولة مزج الأفكار المتقاربة و جعلها تكمل بعضها البعض .
وتوفر هذه الطريقة البديل الدائم لكل عائق يعرقل تطبيق فكرة معينة , أي بجعل كمية الأفكار الكثيرة جداً تُشكل شبكة إحتمالات و يمكن أن تكون هذه الخارطة ملخصاً شاملاً لمفهوم العصف الذهني :
وكيف تستعمل الأذرع الإعلامية العصف الذهني لإرباك و توجيه الشعب ؟؟
تستعمل الأذرع الإعلامية لأجنحة السلطة هذه الطريقة و لكن ليس بالشكل الإيجابي بل بالكيفية التي تتيح لها إحداث إرباك كبير في إعتقادات المتابع لها و بالتالي قد تحدث تغييراً في سلوكه إتجاه شيء ما , فهي تستعمل نفس مبادىء العصف الذهني الذي تستخدمه المؤسسة لإنتاج افكار تحل به مشاكلها لتغيير أفكار المتابعين لها , عن طريق الإعتماد على كمية كبيرة جداً من المعلومات و البيانات و الأخبار العاجلة و التحاليل التي تنحاز لطرف ضد آخر و في نفس الوقت لا تترك المجال لمناقشة ماتنقله من أخبار لدى المتابع حيث كل ما صدر خبر عاجل مهم جداً إلاَّ ولا تمر دقائق ويصدر خبر عاجل من قنات أخرى لنفس الذراع تبث خبراً عاجلاً بمعلومات تبدو متعارضة شكلاً و مضموناً و أحياناً تكون متعارضة شكلاً ولكنها متوافقة مضموناً .
كما أنها ترحب بكل الأخبار التي تخدم خطَّها و الآتية من أي مصدر كان مهما كان موثوقاً أم لا المهم هو أن تخدم الموضوع و الخط الإعلامي الذي تسير عليه القناة و الذراع الإعلامية -"الذراع قد تكون مجموعة قنوات"- وكذلك تستخدم مبدىء خلط الأفكار و لكن ليس بالجانب الإيجابي بالتأكيد فهي تبحث عن جعل المتابع يُغير سلوكه و إهتماماته , فبدل أن يبقى منصباً على القضية الأساسية التي كان يريدها سيصبح إهتمامه منصباً على المشكلة الجديدة التي شكَّلتها مجموعة القنوات و الجرائد و الصحافة الإلكترونية .
كيف نلاحظ تطبيق العصف الذهني كمثال حي عن اليومين الأخيرين ؟؟
سنأخذ مثالنا الحي منذ أن أعلن الجيش الوطني الشعبي عن تبنيه لمطالب الشعب المادة 7 و 8 و 102, أول أمر لاحظناه هو صدور أخبار العاجل و التحاليل الإخبارية التي تتحدث عن أنَّ الجيش يشدد اللهجة ضد مجموعة خونة و يشدد على موقفه بتبنيه لمطالب الشعب التي خرج من أجلها مرَّتين المرة الأولى طالب الجيش بالمادة 102 و ثم خرج الشعب ليطالب بالمادة 7 و 8 , ليقر الجيش بنفس ماطالب به الشعب .
هذا كان في الساعات الأولى من نقل الخبر ولم يحدث أي شيء , لكن بعد مرور حوالي ثلاث ساعات إنطلقت قناة الشروق في بث أخبار عاجلة عن مصادرها الغريبة تفيد بأنَّ " مجموعة الخونة التي تحدث عنها الجيش هي محمد مدين المدعو التوفيق و شقيق بوتفليقة السعيد رئيس جهاز الإستعلامات و الأمن الحالي طرطاق و الرئيس السابق اليمين زروال و عناصر من المخابرات الفرنسية " ثم أفادت الشروق مرة أخرى و بشكل متتالي بأنَّ " هذه المجموعة إتفقت على جعل زروال رئيساً للدولة و التوفيق مستشاراً أمنياً لإدارة المرحلة الإنتقالية " و أفادت بعدها مباشرة بأنَّ " اليمين زروال تفطن للخدعة و إنسحب و عاد لبيته في باتنة و لم يستجب لهذه الدعوات بالنظر لتاريخه المشهود له بالنزاهة و الوطنية " , هذه الأخبار العاجلة أقامت من أجلها الشروق أستديوهات للتحليل و حضر الكثير من الشخصيات المعارضة و التي طالبت الشعب بالنزول للشارع لدعم الجيش الوطني الشعبي و تفويضه , و هو ماحدث فعلاً من شدة العاطفة و قوة التأثير و قوة الأخبار وخصوصاً عندما تم نشر أخبار تفيد بأنَّ " قوات الدرك الوطني تنتشر بشكل كثيف في العاصمة " هنا خرج الشعب للشارع في جنح الظلام لعبر عن دعمه للجيش الوطني الشعبي .
مباشرة بعد خروج الشعب إكتشف أنَّ ماقالته الشروق كان كذباً لكنه لم يولي إهتماماً لذلك لأنه خرج من أجل موضوع " الجيش " , و بعد ذلك في صباح اليوم الموالي بدأ دور قناة النهار في نشر أخبار عن توقيف رجل الأعمال علي حداد على الحدود التونسية بجواز سفر بريطاني و هذا ماتناقلته كل وسائل الإعلام الوطنية و العالمية , إضافة إلى نشر قناة الشروق و النهار و البلاد و الخبر و الوطن وغيرهم أخبار من مصادرهم تقول أنَّه تم منع شخصيات مهمة من مغادرة البلاد , و كانت قناة البلاد قد إلتقطت فيديو لطائرات خاصة مركونة في مطار الجزائر الدولي , و هذا ما أعطى إنطباعاً قوياً للشعب بأنَّ أجهزة الجيش الوطني الشعبي بدأت في العمل و لإزاحة العصابة و هو مازاد راحة و طمئنينة المواطنين .
وفي اليوم الموالي أكّدت وكالة الأنباء الوطنية خبر قيام النائب العام في مجلس قضاء الجزائر بإصدار أوامر بفتح تحقيقات , و لم ينشر البيان المذكورأي أسماء , لكن القنوات الجزائرية نشرت قئمة لأسماء أهم رجال الأعمال الذين يصفهم الجزائريين بالفساد و يوجه لهم تهم كثيرة جداً و هو ما أفرح الكثيرين , وجعل الجميع ينظر إلى أنَّ الجيش يقوم بعمل مهم من أجل طرد العصابة .
لكن هذا التوجه في نقل الأخبار بهذا الإتجاه تغيَّر فجأةً غداة إعلان عن قرب خروج بيان رئاسي يوضح فيه تشكيلة الحكومة الجديدة بترأس نور الدين بدوي , و الذي أُعلِنَ فيه عن إسم قائد أركان الجيش الوطني الشعبي أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني , هنا تغير الخط بكل كبير بتغير رأي الجمهور .
فالقنوات التي تتبع جناح السعيد بوتفليقة ركَّزت على الحكومة الجديدة و على أنها هي الحل و هي خطوة نحو تنفيذ المادة 102 , و قناة الشروق و البلاد ركزو على أنَّ البيان لم يكتبه الرئيس بل كتبه شقيقه السعيد بوتفليقة , و ذهبت قناة البلاد أبعد من ذلك عندما نشرت بأنَّ " الرئيس بوتفليقة دخل في غيبوبة منذ صباح اليوم " لتؤكد ماجاءت به الشروق .
لحد هذه الأسطر يبدو لك أن القنوات تتعارض فيما بينها ؟؟ !!
لا القنوات لم تتعارض إطلاقاً , وهذا الذي ظهر بوضوح بعد صدور تصريح بالنفي من الفريق المتقاعد محمد مدين التوفيق الذي كَّب فيه كل ماتم ترويجه حول " وجود عناصر أجنبية في هذا الشبه إجتماع " أي أنه في الحقيقة لم يكذب كل ماجاءت به الشروق بل كذب فقط موضوع المخابرات الأجنبية و شدد كثيراً عليه , بينما جاء رد قناة النهار بنشر صور له و لليمين زروال قرب إقامة أحدهما , و هي أيضاً أكدت بصورة ضمنية و غير مباشرة ما جاءت به الشروق , يعني كل القنوات التي كانت تبدو متعارضة أصبحت كلها تغرد في نفس الصف.
خصوصاً و أن قناة النهار عادت و أكدت ماجاءت به الشروق سابقاً بخصوص اليمين زروال و عودته لبيته و تفطنه للخدعة و رفضه المشاركة في الإجتماع , ولكن لم تظهر بأي شكل من الأشكال أي عنصر من عناصر المخابرات الأجنبية المزعومة .
ولم تتعارض أيضا القنوات بخصوص بيان الرئاسة الذي أعلن عن الحكومة , حيث أنَّ قناة النهار أكدت فحوى ماجاءت به قناة البلاد و الشروق بطريقة غير مباشرة عندما نشرت أخبار مفادها " أنَّ الرئاسة ستصدر بيان قريباً حول التحقيقات التي شرعت فيها الجهات القضائية ضد رجال الأعمال من دون موافقة الرئاسة " و أكدت بقوة على ماجاءت به الشروق ضمنياً عندما قالت " أنَّ من أصدر دعوات للقضاء بالبدأ في التحقيقات هي القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي " , و بعدها خرجت الشروق مجدداً بأخبار عاجلة مفادها " أنَّ بيان السعيد بوتفليقة يؤكد صحة تحذيرات الجيش الوطني الشعبي و أن الرئيس بوتفليقة كان في غيبوبة منذ صباح اليوم وبأنه يتنفس إصطناعياً و بأن هذا البيان هو تنفيذ لما جاء به الإجتماع السري الأخير " كل هذه المعلومات و الأخبار المتتالية و التي تدعم بعضها البعض ضمنياً , تقود المتابعين لها إلى فكرة واحدة و هي أنَّ السعيد يستعمل قبضة الرئاسة لمواجهة عناد الجيش الوطني الشعبي و يحاول الإلتفاف على مطالب الشعب و خصوصاً المطلب المتعلق بتنفيذ المادة 102 .
ثم تعود قناة النهار المساندة لجناح الرئاسة مجددا و تعلن عن بيان ينص على أنَّ بوتفليقة الرئيس سيستقيل قبل نهاية عهدته في 28 أفريل المقبل , وبأن الرئاسة ستعلن عن قرارات مهمة قريباً بخصوص التحقيقات هو بث للمزيد من القلق و التوتر و الإرباك في الشارع من جهة و لقيادة الجيش الوطني الشعبي من جهة أخرى من أجل الضغط عليه أكثر .
وكل ماشهدناه نرى أنَّ حقيقة ماتمَّ نشره ينقسم تحليله لنظرتين الأولى هي أنَّ قيادة الجيش متواطئة مع السعيد بوتفليقة و تريد تمثيلية و هذه من نظرية المؤامرة والتي لا نؤمن بها كثيراً , و الثانية هي أنَّ الرئاسة بقيادة السعيد بوتفليقة و الناصر بوتفليقة تحاول جاهدةً أن تلتف حول ماجائت به القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي المساندة للشعب و تعمل على فرض ضغط كبير عليه بتدخل إستخباراتي أجنبي لكي يخضع لما تفرضه العصابة.
وكيف يجب التعامل مع هذا التوارد الكبير للمعلومات " العصف الذهني " ؟؟
يجب التريث و عدم الإنفعال و عدم الإنسياق وراء مايتم إعلانه و مايتم بثه و ما يتم نشره على القنوات التلفزيونية و الجرائد و المواقع الإلكترونية و مواقع التواصل الإجتماعي من أخبار مُحفزة على الخروج و التحرك و الرد السريع , حتى يمر الوقت و تبرد المعلومات الساخنة و نرى الواقع و نتحقق مما صدر و نكشف عن الإشاعة و الحقيقة و نحلل بحسب مايكون من أحداث , وبالتالي لن تؤثر عليك عملية العصف الذهني التي تمارسها ضدك وسائل الإعلام .
شاهد تحليلاً لبيان رئاسة الجمهورية في قناة البلاد
أترك لنا تعليقك حول الموضوع من هنا
أحصل على كل جديد مباشرة من موقعنا بالضغط على " متابعة "
0 Comentair:
Post a Comment